للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنا مفكّر في ذلك إذ عاد بسرعة، فقلت له: الظاهر أنك لم تجتمع على السلطان، وظننت ذلك لسرعة عَوده.

فقال: بل اجتمعت به وقرأ القصّة، وقال: مكة أفضل من البيت المقدس والخليل، فلْيتوجّه إليها.

فعجبت من هذا الاتفاق الغريب. وقلت: ذلك ما كنّا نبغي، ثم أخذت في أسباب الحج. فبقي بعض الأصحاب يقول: إنّما قال السلطان ذلك لأجل أن يسكتوا (١) عنه وهم لا يدرون، فأعوذ بالله (٢) تعالى به من فضله وتدبيره إيّاي، وتيسيره الخير لي وتهيئة الأسباب، وإجراء أموري على وفق ما أريده وآمله غالبًا، لا سيما عند تغيّر الدول، وأنا في حرّيتي، وبل أجزم أن هذا الرجل تزول دولته عن قرب.

قال: ثم حججت حجّة هيّنة لم أحجُجْ مثلها قطّ، مع ما تقدّم لي من الحج غير ما مرة، وكان معي في حجّتي هذه الأهل والعيال، والخدم والحشم، والكبار والصغار من جماعتي، ومعي من الجمال والهُجُن والخيل والبغال ما يكفيني. وحصل لي من أمير الحاج غاية الإنصاف، والقيام في حوائجي، وتقاضي أشغالي، وكنت أسير أمام الركلب، وحصلتْ لي فتوحات وعنايات ربّانية من قبل الله العالي، وشكرته على ذلك، وعلى ما أنعم وتفضّل وأكرم وتقبّل. وحين وصولنا مكة المشرّفة بعث إليّ خطيبها يأمرني بالنزول بمكانٍ أعدّه في تيسير الله تعالى بمكان خير إقامته على خلائه (٣)، به ساقية وبستان للتنزّه به، وقناة من الماء الحلو. فأقمنا بمكة اثني عشر يومًا في أرغد عيش وأهنئه (٤)، إلى أن فرغنا من أفعال الحج.

وكان قد حضر الركب العراقي في هذه السنة، فسرنا إلى المدينة المشرّفة في صحبته، وكان قد حضر في بعضٍ من إخواننا في الله تعالى، فاجتمعوا بي وقالوا: إن هذه البلاد تحتاج إلى سعة مال، ورحِم الله من زار وخفّف، والرأي عندنا أن تسير معنا إلى العراق، وكان أمير الركب الأمير عبد الحق بن الجُنيد (٥) البغدادي، المشهور بالولاية والصلاح.

وعبد الحق هذا من ذريّته (٦)، فقوي العزم على التوجّه صحبتهم، لا سيما


(١) في الأصل: "أن يسكتون".
(٢) في الأصل: "فاعوذ في الله".
(٣) في الأصل: "خلاه".
(٤) في الأصل: "واهناه".
(٥) لم أجد لعبد الحق بن الجُنيد ترجمة.
(٦) أي من ذرّية (الجُنَيد بن محمد الخرّاز القواريري) المتوفى سنة ٢٩٧ هـ. انظر عنه في: طبقات الصوفية، للسُلَمي ١٥٥ - ١٦٣ رقم ١، وحلية الأولياء ١/ ٢٥٥ - ٢٨٧ رقم ٥٧١، والزهد =

<<  <  ج: ص:  >  >>