للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي البال اشتغال بالخوف من باطن خُشقَدم، وعدم إهمال الأمر من قِبله. وكانت النفس تحدّثني بالبعد عن بلاده خوفًا من شرّه وسواد باطنه، إلى أن يريد الله تعالى بما يريد. فسرنا على بركة الله تعالى وعونه في أرغد عيش وأهنئه (١) في خصْب وأمن وسلامة، وكثرة ماء، وحسن رفعة، وحصل من الأمير عبد الحق صاحب الحلّة وهيت وتكريت (٢) من قِبل جهان شاه، وأمير المحمل العراقي غاية الإنصاف والإسعاف والبرّ والإحسان، وغير ذلك من كل جميل، ما لا يُعدّ ولا يُضبط، جزاه الله تعالَى عنّي خير الجزاء، وظهرت له أيادٍ، وبل كراماتٍ بذلك الدرب الشريف، نفع الله تعالى به وبسلفه الطاهر. ولم نزل حتى وصلنا الحلّة، فأنزلنا عنده مدّة شهرين، وأجرى علينا ما نحتاج إليه، ثم أفكر لنا في شيء يحصل به النفع والبلغة والرفعة، فأشار علينا بالتوجّه إلى السلطان جهان شاه، وكتب معنا مكاتبات إليه، وقال لي: إن صاحبنا هذا سلطان العجم الآن والعراقين من ذوي الهمم، وأنا أشير عليكم أنكم إذا اجتمعت به يكون غاية ما في وسعكم وطاقتكم وجهدكم أن ترشدوه إلى الصلح بينه وبين حسن بن قرايُلُك قبل وقوع الفِتن المؤدّاة إلى فساد العباد وخراب البلاد، ويكفي الله المؤمنين القتال. ثم قال لي: قد عرَّفتُ جهان شاه في مكتوبي عن عُلوّ مقامكم ورِفعتكم، وبُعد صِيتكم وسُمعتكم بالبلاد المصرية وما تنقّلتم فيه من الثوابت السَّنيّة العليّة، وعرّفتكم له، وعرّفته بأنكم أهلًا لأن يستشيركم (٣) ويقتدي برأيكم، وأنكم ممن له دُربة وحنكة، وقد دبّرتم الممالك فضلًا عن غير ذلك، وذكرت له أنكم تركتم الدنيا ولا رغبة لكم إلّا في الخير وطلب الآخرة، فسرنا على بركة الله تعالى بعد أن أتحفنا بتُحف كثيرة، وأهدانا ما يليق بمقامه الكريم، بعد أن أقام بالكلفة في هذه المدّة، وأغدق بالعطايا، فمررنا على بغداد، وكان دخولنا البلقاء في ربيع الآخر سنة اثنتين (٤) وسبعين، فزرنا مشاهد الأئمّة الكرام والسادة الأعلام، الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والسِبطين الحسن والحسين، ومحمد الباقر، وموسى الكاظم، والإمامين الأعظمين أبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهم أجمعين. وزرنا السيد عبد القادر الكيلاني، وجميع من هناك من الأولياء الصالحين، رضي الله عنهم أجمعين،


= الكبير، للبيهقي، رقم ١٩ و ٢٠ و ٩٧ و ١٧٥ و ١٨٣ و ٣٢٤ و ٤١٦، و ٤٢٩ و ٤٤٦ و ٤٩١ و ٦٩٧ و ٧٣١ و ٧٤٨ و ٧٥٣، و ٧٧٠ و ٧٧١ و ٧٦١ و ٧٦٩ وه ٧٨ و ٩٤٥ و ٩٤٩، والرسالة القشيرية ١٨، ١٩، وتاريخ بغداد ٧/ ٢٤١ - ٢٤٩ رقم ٣٧٣٩، ومصادر أخرى كثيرة حشدناها في تاريخ الإسلام، للذهبي (حوادث ووفيات ٢٩١ - ٣٠٠ هـ.) ص ١١٨ - ١٢٢ رقم ١٤٣.
(١) في الأصل: "واهناه".
(٢) كلها مدن معروفة في العراق.
(٣) في الأصل: "يستشاركم".
(٤) في الأصل: "سنة اثنين".

<<  <  ج: ص:  >  >>