للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عِوَضًا مِن سَهمِ أبيها، أنّه استَطابَ أنفُسَ الَّذينَ أوجَفوا عَلَيه فتَرَكوا حُقوقَهُم مِنه، فجَعَلَه وقفًا لِلمُسلِمينَ، وهَذا حَلالٌ لِلإمامِ لَوِ افتَتَحَ اليَومَ أرضَ عَنوَةٍ فأَحصَى مَنِ افتَتَحَها، وطابُوا أنفُسًا عن حُقوقِهِم مِنها، أن يَجعَلَها الإمامُ وقفًا، وحُقوقُهُم مِنها الأربَعَةُ الأخماسُ (١)، ويُوفِّيَ أهلَ الخُمُسِ حَقَّهُم، إلا أن يَدَعَ البالِغونَ مِنهُم حُقوقَهُم، فيَكونَ ذَلِكَ له، والحُكمُ في الأرضِ كالحُكمِ في المال، وقَد سَبَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - هَوازِنَ وقَسَمَ أربَعَةَ الأخماسِ بَينَ الموجِفينَ، ثُمّ جاءَته وُفودُ هَوازِنَ مُسلِمينَ، فسألوه أن يَمُنَّ عَلَيهِم بأَن يَرُدَّ عَلَيهِم ما أخَذَ مِنهُم، فخَيَّرَهُم بَينَ الأموالِ والسَّبيِ فقالوا: خَيَّرتَنا بَينَ أحسابِنا وأَموالِنا، فنَختارُ أحسابَنا. فتَرَكَ لَهُم رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَقَّه وحَقَّ أهلِ بَيتِه، وسَمِعَ بذَلِكَ المُهاجِرونَ فتَرَكوا له حُقوقَهُم، وسَمِعَ بذَلِكَ الأنصارُ فتَرَكوا له حُقوقَهُم، وبَقِيَ قَوم مِنَ المُهاجِرينَ الآخِرينَ والفَتحِيّينَ، فأَمَرَ فعُرِّفَ على كُل عَشَرَةٍ واحِدٌ ثُمَّ قال: "ائتونِي بطِيبِ أنفُسِ مَن بَقِيَ، فمَن كَرِهَ فلَه عليّ كَذا وكَذا مِنَ الإبِلِ". إلَى وقتٍ ذَكَرَه، فجاءُوه بطيبِ أنفُسِهِم، إلَّا الأقرَعَ بنَ حابِسٍ وعُيَينَةَ بنَ بَدرٍ، فإِنَّهُما أبَيَا ليُعَيِّرا هَوازِنَ، فلَم يُكرِهْهُما رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على ذَلِكَ حَتَّى كانا هُما تَرَكَا بَعدُ، بأَن (٢) خُدِعَ عُيَينَةُ عن حَقِّه، وسَلَّمَ لَهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَقَّ مَن طابَ نَفسُه عن حَقِّهِ. قال الشافِعِيُّ: وهَذا أولَى الأُمورِ بعُمَرَ بنِ الخطابِ عِندَنا في السَّوادِ وفُتوحِه إن كانَت عَنوَةً (٣).


(١) ضبطه كذا بالضم في الأصل.
(٢) في س، م: "أن".
(٣) الأم ٤/ ٢٨٠.