اختار البيهقي رحمه الله المذهب الشافعي عن اقتناع ودراية بغيره من المذاهب وبعد تمحيص ودراسة ومقارنة وتحقيق، ولذلك فقد أعطاه غاية اهتمامه وجل جهده، فجمع نصوص الإِمام الشافعي أولًا وصنف لها مصنفا مستقلا، ثم جرد نفسه لشرح أقواله وتبيين آرائه وتأييدها بكل ما ملك من علوم ومعرفة، دون أن يدفعه ذلك إلى التعصب الأعمى الذي لا يرى إلا نصرة مذهبه والغض من غيره، بل سلك مسلكا وسطا معتدلا، فهو شافعي عن اقتناع، وبذل الجهد في نصرة مذهبه، وهو أيضًا يَعرف لغير الشافعية قدرهم وعلمهم واجتهادهم.
والبيهقي حين اقتنع بأحقية هذا المذهب بأن يتبعه، فإنه لم يقف عند هذا بل بذل الجهد الكبير في خدمته بما تحصل له من أحاديث رسول اللهِ - صلى اللهِ عليه وسلم -، فعرضها ورتبها، فيما يمثل نقاشا بين المذهب الشافعي وبين غيره، ولكن مادة هذا النقاش وأداته هي النص النبوى الشريف. وقد ظل البيهقي يجمع كتابه ويؤلف أبوابه، ويمليه على تلاميذه، نحوًا من سبع وعشرين سنة (٤٠٥ - ٤٣٢ هـ). ويبدو أن البيهقي ظل يدرس هذا الكتاب؛ فيمليه أحيانًا، ويُقرأ عليه أحيانًا أخرى طوال حياته، يدلنا على ذلك أنه قد يحيل في ثناياه إلى بعض الكتب التي ألفها بعد ذلك، فقد حال مثلًا إلى كتابى "الخلافيات"، و"المعرفة"، كما حال إلى كتاب "الدعوات"، وكتاب "الأسماء والصفات"، وكتاب "دلائل النبوة".