للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالهَدَّةِ بَينَ عُسْفانَ ومَكَةَ ذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذَيلٍ يُقالُ لَهُم: بَنو لِحيانَ، فنَفَروا لَهُم بمائَةِ رَجُلٍ رامٍ، فاتَّبَعوا آثارَهُم حَتَّى وجَدوا مأكَلَهُمُ التَّمرَ، فقالوا: هذا تَمرُ يَثرِبَ. فلَمّا أحَسَّ بهِمُ عاصِمٌ وأَصحابُه - رضي الله عنه - لَجَئوا إلَى قَردَدٍ (١)، يَعنِي فأَحاطَ بهِمُ القَومُ، فقالوا: انزِلوا ولَكُمُ العَهدُ والميثاقُ ألا يُقتَلَ مِنكُم أحَدٌ. فقالَ عاصِمٌ: أمّا أنا فواللهِ لا أنزِلُ في ذِمَّةِ كافِرٍ اليَومَ، اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنّا نَبيَّكَ السَّلام. فقاتَلوهُم، فقُتِلَ مِنهُم سَبعَةٌ، ونَزَلَ ثَلاثَةٌ على العَهدِ والميثاق، فلَمّا استَمكَنوا مِنهُم حَلُّوا أوتارَ قِسيِّهِم وكَتَّفوهُم، فلَمّا رأى ذَلِكَ مِنهُم أحَدُ الثلاثَةِ قال: هو واللهِ أوَّلُ الغَدرِ. فعالَجوه فقَتَلوه، وانطَلَقوا بخُبَيبِ بنِ عَدِيٍّ وزَيدِ بنِ الدَّثِنَة، فانطَلَقوا بهِما إلَى مَكَّةَ فباعوهُما، وذَلِكَ بَعدَ وقعَةِ بَدرٍ، فاشتَرَى بَنو الحارِثِ خُبَيبًا، وكانَ قَتلَ الحارِثَ يَومَ بدرٍ، قالَتِ ابنَةُ الحارثِ: فكانَ خُبَيبٌ أسيرًا عِندَنا، فواللهِ إنْ رأيتُ أسيرًا قَطُّ كان خَيرًا مِن خُبَيبٍ، واللهِ لَقَد رأيتُه يأكُلُ قِطْفًا مِن عِنَبٍ وما بمَكَةَ يَومَئذٍ مِن ثَمَرَةٍ، وإِن هو إلا رِزقٌ رَزَقَه اللهُ خُبَيبًا. قالَت: فاستَعارَ مِنِّي موسَى يَستَحِدُّ به لِلقَتلِ. قالَت: فأَعَرتُه إيّاه، ودَرَجَ بُنَيٌّ لِي وأَنا غافِلَةٌ، فرأيتُه مُجلِسَه على صَدرِه. قالَت: ففَزِعتُ فزعَةً عَرَفَها خُبَيبٌ. قالَت: ففَطِنَ بي فقالَ: أتَحسَبيني أنِّي قاتِلُه؟ ما كُنتُ لأفعَلَه. قالَت: فلَمّا أجمَعوا على قَتلِه قال لَهُم: دَعونِي أُصَلِّي رَكعَتَينِ. قالَت: فصَلَّى رَكعَتَين، فقالَ: لَولا أن تَحسِبوا أن بِي جَزَعًا لَزِدتُ. قال: وكانَ خُبَيبٌ أوَّل مَن سَنَّ الصَلاةَ لِمَن قُتِلَ صَبرًا. ثُمَّ قال: اللَّهُمَّ أحصِهِم


(١) القردد: الموضع المرتفع من الأرض، كأنهم تحصنوا به. النهاية ٤/ ٣٧.