للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: ٣٣] الفتح: ٢٨، الصف: ٩] أنَّ ذَلِكَ تامٌّ. قال: "إنَّه سَيَكونُ مِن ذَلِكَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبعَثُ اللَّهُ ريحًا طَيِّبَةً فتَوَفَّى مَن كان في قَلبِه مِثقالُ حَبَّةِ خَردَلٍ مِن إيمانٍ، فيَبقَى مَن لا خَيرَ فيه، فيَرجِعونَ إلَى دينِ آبائهِم" (١). أخرَجَه مسلمٌ في "الصحيح" مِن حَديثِ خالِدِ بنِ الحارِثِ وأَبِي بكرٍ الحَنَفِيِّ عن عبد الحَميدِ بنِ جَعفَرٍ (٢).

قال الشّافِعِيُّ رَحِمَه اللَّهُ: وكانَت قُرَيشٌ تَنتابُ الشّامَ (٣) انتيابًا كَثيرًا، وكانَ كَثيرٌ مِن مَعاشِها مِنه، وتأتِي العِراقَ، فيُقالُ: لَمّا دَخَلَت في الإسلامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَوفَها مِنِ انقِطاعِ مَعاشِها بالتِّجارَةِ مِنَ الشّامِ والعِراقِ إذا فارَقَتِ الكُفرَ ودَخَلَت في الإسلام، مَعَ (٤) خِلافِ مَلِكِ الشّامِ والعِراقِ لأهلِ الإسلام، فقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا هَلَكَ كِسرَى فلا كِسرَى بَعدَه". فلَم يَكُنْ بأَرضِ العِراقِ كِسرَى يَثبُتُ له أمرٌ بَعدَه، وقالَ: "إذا هَلَكَ قَيصَرُ فلا قَيصَرَ بَعدَه". فلَم يَكُنْ بأَرضِ الشّامِ قَيصر بَعدَه، وأَجابَهُم على ما قالوا له، وكانَ كما قال لَهُم - صلى الله عليه وسلم -، وقَطَعَ اللَّهُ الأكاسِرَةَ عن العِراقِ وفارِسَ، وقَيصرَ ومَن قامَ بالأمرِ بَعدَه عن الشام، وقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في كِسرَى: "مُزِّق مُلكُه". فلَم يَبقَ لِلأكاسِرَةِ مُلكٌ، وقالَ في قَيصرَ: "ثَبَتَ مُلكُه". فثَبَتَ له مُلكٌ ببِلادِ الرّومِ إلَى اليَوم، وتنَحَّى مُلكُه عن الشّام، وكُلُّ هذا مُؤتَفِقٌ يُصدِّقُ بَعضُه بَعضًا.


(١) أخرجه أبو يعلى (٤٥٦٤)، وابن جرير في تفسيره ٢٢/ ٦١٦ من طريق عبد الحميد بن جعفر به.
(٢) مسلم (٢٩٠٧/ ٥٢، وعقبه).
(٣) تنتاب الشام: ترجع إليها مرة بعد أخرى. ينظر المغرب في ترتيب المعرب ٢/ ٣٣١.
(٤) ليس في: س، م.