قال: فانطَلَقنا نَسيرُ وما لَنا كَثيرُ خُيولٍ - أو: ما لَنا خُيولٌ - حَتَّى إذا كُنّا بأَرضِ العَدوِّ وبَينَنا وبَينَ القَومِ نَهَرٌ خَرَجَ عَلَينا عامِلٌ لِكِسرَى (١) في أربَعينَ ألفًا، حَتَّى وقَفوا على النَّهَرِ ووَقَفنا مِن حيالِه الآخَرِ قال: يا أيُّها النّاسُ أخرِجوا إلَينا رَجُلًا يُكَلِّمُنا. فأُخرِجَ إلَيه المُغيرَةُ بن شُعبَةَ وكانَ رَجُلًا قَدِ اتَّجَرَ وعَلِمَ الألسِنَةَ. قال: فقامَ تَرجُمانُ القَومِ فتَكَلَّمَ دونَ مَلِكِهِم. قال: فقالَ لِلنّاسِ: ليُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنكُم. فقالَ المُغيرَةُ: سَل عَمّا شِئتَ. فقالَ: ما أنتُم؟ فقالَ: نَحنُ ناسٌ مِنَ العَرَبِ كُنّا في شَقاءٍ شَديدٍ، وبَلاءٍ طَويلٍ، نَمَصُّ الجِلدَ والنَّوَى مِنَ الجوع، ونَلبَسُ الوَبَرَ والشَّعَرَ، ونَعبُدُ الشَّجَرَ والحَجَرَ، فبَينا نَحنُ كَذَلِكَ إذ بَعَثَ رَبُّ السَّماواتِ ورَبُّ الأرضِ إلَينا نَبيًّا مِن أنفُسِنا نَعرِفُ أباه وأُمَّه، فأَمَرَنا نَبيُّنا رسولُ رَبِّنا - صلى الله عليه وسلم - أن نُقاتِلَكُم حَتَّى تَعبُدوا اللَّهَ وحدَه أو تُؤَدّوا الجِزيَةَ، وأخبرَنا نَبيُّنا عن رِسالَةِ رَبِّنا أنَّه مَن قُتِلَ مِنّا صارَ إلَى جَنَّةٍ ونَعيمٍ لَم يُرَ مِثلُه قَطُّ، ومَن بَقِيَ مِنّا مَلَكَ رِقابَكُم. قال: فقالَ الرَّجُلُ: بَينَنا وبَينَكُم بَعدَ غَدٍ حَتَّى نأمُرَ بالجِسرِ يُجسَرُ. قال: فافتَرَقوا وجَسَروا الجِسرَ، ثُمَّ إنَّ أعداءَ اللَّهِ قَطَعوا إلَينا في مِائَةِ ألفٍ؛ سِتّونَ ألفًا يَجُرّونَ الحَديدَ، وأَربَعونَ ألفًا رُماةُ الحَدَق، فأَطافوا بنا عَشْرَ مَرّاتٍ. قال: وكُنّا اثنَيْ عَشَرَ ألفًا فقالوا: هاتوا لَنا رَجُلًا يُكَلِّمُنا. فأَخرَجنا المُغيرَةَ فأَعادَ عَلَيهِم كَلامَه الأوَّلَ، فقالَ المَلِكُ: أتَدرونَ ما مَثَلُنا ومَثَلُكُم؟ قال المُغيرَةُ: ما مَثَلُنا ومَثَلُكُم؟ قال: مَثَلُ رَجُلٍ له بُستانٌ ذو رَياحِينَ وكانَ له ثَعلَبٌ قَد آذاه، فقالَ له رَبُّ البُستانِ: يا أيُّها الثَّعلَبُ لَولا أن
(١) في س، م: "كسرى".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute