كتاب السنن الكبرى - البيهقي - ت التركي

كتاب الجزية - باب المهادنة على النظر للمسلمين - ج: 19 - ص: 117

يُلَبِّثْه النّاسُ أن نَزَحوه، فشُكِىَ إلَى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- العَطَشُ، فانتَزَعَ سَهمًا مِن كِنانَتِه، ثُمَّ أمَرَهُم أن يَجعَلوه فيه. قال: فواللهِ ما زالَ يَجيشُ (١) لَهُم بالرِّىِّ حَتَّى صَدَروا عنه. قال: فبَينا هُم كَذَلِكَ إذ جاءَ بُدَيلُ بنُ وَرقاءَ الخُزاعِىُّ فى نَفَرٍ مِن قَومِه، وكانوا عَيبَةَ نُصحِ (٢) رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن أهلِ تِهامَةَ، فقالَ: إنِّى تَرَكتُ كَعبَ بنَ لُؤَىٍّ وعامِرَ بنَ لُؤَىٍّ -قال أحمدُ: حَدَّثَناه يَحيَى بنُ سعيدٍ، عن ابنِ المُبارَكِ، وقالَ: إنِّى تَرَكتُ كَعبَ بنَ لُؤَىٍّ وعامِرَ بنَ لُؤَىٍّ- نَزَلوا أعدادَ مياهِ (٣) الحُدَيبيَةِ مَعَهُمُ العُوذُ المَطافِيلُ (٤)، وهُم مُقاتِلوكَ وصادّوكَ عن البَيتِ. فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنّا لَم نَجِئْ لِقِتالِ أحَدٍ (٥) ولَكِنّا جِئنا مُعتَمِرينَ، وإِنَّ قُرَيشًا قَد نَهِكَتهُمُ الحَربُ وأَضَرَّت بهِم، فإِن شاءوا مادَدتُهُم مُدَّةً ويُخَلّوا بَينِى وبَينَ النّاسِ؛ فإِن أظهَرْ، فإِن شاءوا أن يَدخُلوا فيما دَخَلَ فيه النّاسُ فعَلوا، وإِلَّا فقَد جَمّوا، وإِن أبَوا فوالَّذِى نَفسِى بيَدِه لأُقاتِلَنَّهُم على أمرِى هذا حَتَّى تَنفَرِدَ سالِفَتِى (٦) أو ليُنْفِذَنَّ اللهُ

---

(١) يجيش: يفور. مشارق الأنوار ١/ ١٦٧.
(٢) يريد أنه موضع سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والثقة الذى يستنصحه ويأتمنه على أمره، وذلك أن الرجل يودع عيبته حُرَّ المتاع ومصون الثياب ونحو ذلك، فوقع التشبيه له بالعيبة من أجل ذلك. معالم السنن ٢/ ٣٢٨.
(٣) العد بكسر العين: الماء المجتمع المَعين، وجمعه أعداد. مشارق الأنوار ٢/ ٦٩.
(٤) العوذ: جمع عائذ وهى الناقة إذا وضعت وبعدما تضع أياما حتى يقوى ولدها. والمطافيل: جمع مطفل وهى الناقة معها فصيلها. غريب الحديث لابن الجوزى ٢/ ١٣٤. وينظر فتح البارى ٥/ ٣٣٨.
(٥) ليس فى: س، م.
(٦) تنفرد سالفتى: تنقطع عنقى وتنفرد عن رأسى، والسالفة: أعلى العنق. وقيل: السالفتان جانبا =