وكذلك كتب إلى عماله في أمهات المدن الإِسلامية بجمع الحديث، فكان أول من استجاب له ابن شهاب الزهرى فدون في ذلك كتابًا، ثم فشا أمر التدوين في الطبقة التي تلته، وكان على رأس من دون ابن جريج في مكة وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة في البصرة، وسفيان الثوري في الكوفة، وابن إسحاق والإمام مالك في المدينة وغيرهم، والتف حولهم طلبة العلم وأخذوا عنهم الحديث وحفظوه دراية ورواية، وشددوا في ضبطه ودققوا في مروياته.
وقد اختلفت مناهج المصنفين في الحديث كما يقول ابن الأثير: رأيت هذا العلم على شرفه وعلو منزلته وعظم قدره علمًا عزيزًا، مشكل اللفظ والمعنى، والناس في تصانيفهم التي جمعوها وألفوها مختلفو الأغراض متنوعو المقاصد. ثم ذكر أغراضهم كما يلي:
١ - منهم من قصر همته على تدوين الحديث ليحفقالفظه ويستنبط منه الحكم.
٢ - ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيضع لكل مجموعة من الأحاديث المتشابهة بابًا يختص بها.
٣ - ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظًا لغوية، ومعانى مشكلة، فوضع لها كتابًا، قصره على ذكر متونها، وشرح غريبها وإعرابه وتوضيح معانيه دون تعرض منه لذكر أحكامها.
٤ - ومنهم من أضاف إلى الاختيار السابق ذكر الأحكام واراء الفقهاء.