للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عائشَةُ -رضي الله عنها- عن رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أشبَهُ أن يَكونَ مَحفوظًا عنه -صلى الله عليه وسلم- بدَلالَةِ الكِتابِ ثُمَّ السُّنَةِ، فإِن قيلَ: وأَينَ دَلالَةُ الكِتابِ؟ قيلَ: في قَولِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى}. وقَولِه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]. وقَولِه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧، ٨] وقَولِه: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: ١٥]. فإِن قيلَ: فأَينَ دَلالَةُ السُّنَّةِ؟ قيلَ: قال رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ: "هَذا ابنُكَ؟! قال: نَعَم. قال: "أمّا إَّنه لا يَجنى عَلَيكَ ولا تَجنِى عَلَيه" (١). فأَعلَمَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِثلَ ما أعلَمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ؛ مِن أنَّ جِنايَةَ كُل امرِئٍ عَلَيه، كما عَمَلُه له لا لِغَيرِه ولا عَلَيهِ. قال الشّافِعِيُّ: وعَمرَةُ أحفَظُ عن عائشةَ مِنَ ابنِ أبى مُلَيكَةَ، وحَديثُها أشبَهُ الحديثَينِ أن يَكونَ مَحفوظًا، فإِن كان الحَديثُ على غَيرِ ما رَوَى ابنُ أبى مُلَيكَةَ مِن قَولِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّهُم لَيَبكونَ عَلَيها وإنَّها لَتُعَذَّبُ في قَبرِها". فهو واضِحٌ لا يَحتاجُ إلَى تَفسيرٍ؛ لأنَّها تُعَذَبُ بالكُفرِ، وهَؤُلاءِ يَبكونَ ولا يَدرونَ ما هِىَ فيهِ. وإِن كان الحَديثُ كما رَوَى ابنُ أبى مُلَيكَةَ فهو صَحيحٌ؛ لأنَّ على الكافِرِ عَذابًا أعَلَى مِنه، فإِن عُذِّبَ بدونِه فزيدَ في عَذابِه فَبِما (٢) استَوجَبَ، وما نيلَ مِن كافِرٍ مِن عَذابٍ أدنَى مِن أعلَى مِنه وما زيدَ عَلَيه مِنَ العَذابِ فبِاستيجابِه لا بذَنبِ غَيرِه في بُكائه عَلَيه، فإِن قيلَ: يَزيدُه عَذابًا ببُكاءِ أهلِه عَلَيه. قيلَ: يَزيدُه بما استَوجَبَ بعَمَلِه ويَكونُ بُكاؤُهُم


(١) سيأتى في (١٥٩٩٥، ١٥٩٩٦، ١٧٧٥٧).
(٢) في س، م: "فيما". وفي ص ٣: "فلما".