للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقالَ: إنِّى واللَّهِ ما ذَهَبتُ حَيثُ ذَهَبتَ، ولَكِنَّه واللَّهِ ما كَثُرَ هذا في قَومٍ قَطُّ إلَّا وقَعَ بأسُهُم بَينَهُم. ثُمَّ أقبَلَ على (١) القِبلَةِ ورَفَعَ يَدَيه إلَى السَّماءِ، وقالَ: اللَّهمَّ إنِّى أعوذُ بكَ أن أكونَ مُستَدرَجًا؛ فإِنِّى أسمَعُكَ تَقولُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٨٢، القلم: ٤٤]. ثُمَّ قال: أينَ سُراقَةُ بنُ جُعشُمٍ؟ فأُتِى به أشعَرَ الذِّراعَينِ دَقيقَهُما. فأعطاه سِوارَى كِسرَى، فقالَ: البَسْهُما. ففَعَلَ فقالَ: قُلِ: اللَّهُ أكبَرُ. قال: اللَّهُ أكبَرُ. قال: قُلِ: الحَمدُ للَّهِ الَّذِى سَلَبَهُما كِسرَى بنَ هُرمُزَ، وألبَسَهُما سُراقَةَ بنَ جُعشُمٍ أعرابيًّا مِن بَنِى مُدلِجٍ. وجَعَلَ يَقلِبُ بَعضَ ذَلِكَ بعصًا فقالَ: إنَّ الَّذِى أدَّى هذا لأمينٌ. فقالَ له رَجُلٌ: أنا أُخبِرُكَ؛ أنتَ أمينُ اللَّهِ، وهُم يُؤَدّونَ إلَيكَ ما أدَّيتَ إلَى اللَّهِ، فإِذا [رَتَعتَ رَتَعوا] (٢). قال: صَدَقتَ. ثُمَّ فرَّقَه.

قال الشّافِعِىُّ: وإِنَّما ألبَسَهُما سُراقَةَ لأنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِسُراقَةَ ونَظَرَ إلَى ذِراعَيه: "كأنِّى بكَ قَد لَبِستَ سِوارَى كِسرَى". قال: ولَم يَجعَلْ له إلا سِوارَينِ. قال الشّافِعِىُّ: أخبرَنا الثِّقَةُ مِن أهلِ المَدينَةِ قال: أنفَقَ عُمَرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - على أهلِ الرَّمادَةِ حَتَّى وقَعَ مَطَرٌ فتَرَحَّلوا، فخَرَجَ إلَيهِم عُمَرُ - رضي الله عنه - راكِبًا فرَسًا يَنظُرُ إلَيهِم وهُم يَتَرَحَّلونَ بظَعائنِهِم فدَمَعَت عَيناه، فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِى مُحارِبِ بنِ خَصَفَةَ: أشهَدُ أنَّها انحَسَرَت عَنكَ ولَستَ بابنِ أمَةٍ. فقالَ له عُمَرُ - رضي الله عنه -: ويلَك! ذَلِكَ لَو كُنتُ أنفَقتُ عَلَيهِم مِن مالِى أو مالِ الخطابِ؛


(١) في ز: "إلى".
(٢) في س: "ارتعت ارتعوا"، وفى ز: "وقعت وقعوا".