للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه استَعاذَ مِنَ المَسكَنَةِ والفَقرِ، فلا يَجوزُ أن تكونَ استِعاذَتُهَ مِن الحالِ التى شَرَّفَها في أخبارٍ كَثيرَةٍ، ولا مِنَ الحالِ التى سأَلَ أن يُحيَا ويُماتَ عَلَيها، ولا يَجوزُ أن تكونَ مَسأَلته مُخالِفَةً لِما ماتَ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيه، فقَد ماتَ مَكفيًّا بما أفاءَ اللهُ تَعالَى عَلَيه، ووَجهُ هذه الأحاديثِ عِندِى -واللهُ أعلَمُ- أنَّه استَعاذَ مِن فِتنَةِ الفَقرِ والمَسكَنَةِ اللَّذينِ يَرجِعُ مَعناهُما إلَى القِلَّةِ كما استَعاذَ مِن فِتنَةِ الغِنَى، وذَلِكَ بَيِّنٌ فيما:

١٣٢٨١ - أخبرَنا أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ، أخبرَنا أبو سعيدِ ابنُ الأعرابِىِّ، حدثنا سَعدانُ بنُ نَصرٍ، حدثنا أبو مُعاويَةَ، عن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالَت: كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَؤَذُ يقولُ: "اللَّهمَّ إنِّى أعوذ بكَ مِن فِتنَةِ النّارِ، وفِتنَةِ القَبرِ وعَذابِ القَبرِ، وشَرِّ فِتنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتتَةِ الفَقرِ، اللَّهمَّ إنِّى أعوذُ بكَ مِن شرِّ فِتنَةِ الدَّجَّالِ" (١). وذَكَرَ الحديثَ. وهَذا حَديثٌ ثابِتٌ قَد أخرَجاه في "الصحيح" (٢).

وفيه دَلالَةٌ على أنَّه إنَّما استَعاذَ مِن فِتنَةِ الفَقرِ دونَ حالِ الفَقرِ، ومِن فِتنَةِ الغِنَى دونَ حالِ الغِنَى، وأَمَّا قَولُه إن كان قالَه: "أحيِنى مِسكينًا، وأَمِتنِى مِسكينًا" فهو إن صحَّ طَريقُه -وفيه نَظَرٌ- والَّذِى يَدُل عَلَيه حالُه عِندَ وفاتِه، أنَّه لَم يَسأَلْ حالَ المَسكَنَةِ التى يَرجِعُ مَعناها إلَى القِلَّةِ، وِإنَما سأَلَ المَسكَنَةَ التى يَرجِعُ مَعناها إلَى الإِخباتِ والتَّواضُعِ، فكأَنَه -صلى الله عليه وسلم- سأَلَ اللهَ تَعالَى ألا يَجعَلَه مِنَ


(١) أخرجه أحمد (٢٤٣٠١)، وأبو داود (١٥٤٣)، والترمذي (٣٤٩٥)، والنسائي (٥٤٨١)، وابن ماجه (٣٨٣٨) من طريق هشام به. وابن حبان (١٩٦٨) من طريق عروة به.
(٢) البخاري (٦٣٦٨، ٦٣٧٧)، ومسلم ٤/ ٢٠٧٨ (٥٨٩) عن أبي معاوية به.