للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فرأيتُ فارِسًا مُقَنَّعًا بحَديدٍ قَد خَرَجَ مِنِّي حَتَّى ذَهَبَ في السَّماءِ وغابَ عَنِّي حَتَّى ما أَراه، فجِئتُهُما فقُلتُ: قَد فعَلتُ. فقالا: فما رأيتِ؟ فقُلتُ: رأيتُ فارِسًا مُقَنَعًا خَرَجَ مِنِّي فذَهَبَ في السَّماءِ حَتَّى ما أَراه. فقالا: صَدَقت، ذَلِكَ إيمانُكِ خَرَجَ مِنك، اذهَبِي. فقُلتُ لِلمَرأةِ: واللهِ ما أعلمُ شَيئًا وما قال (١) لِي شَيئًا. فقالَت: بَلَى، لَن تُريدِي شَيئًا إلا كان، خُذِي هذا القَمحَ فابذُرِي. فبَذَرتُ فقُلتُ: اطلُعِي. فطَلَعَت، فقُلتُ: أحقِلِي. فأحقَلَتْ، ثُمَّ قُلتُ: أفرِكِي. فأفرَكَت، ثُمَّ قُلتُ: أيبِسِي. فأيبَسَت، ثُمَّ قُلتُ: أطحِنِي. فأطحَنَت، ثُمَّ قُلتُ: أخْبِزِي. فأخبَزَت، فلَمّا رأيتُ أنِّي لا أُريدُ شَيئًا إلّا كان سُقِطَ في يَدِي ونَدِمتُ، واللهِ يا أُمَّ المُؤمِنينَ ما فعَلتُ شَيئًا قَطُّ ولا أفعَلُه أبَدًا. فسألتْ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُم يَومَئذٍ مُتَوافِرونَ، فما دَرَوا ما يَقولونَ لها وكُلُّهُم هابَ وخافَ أن يُفتيَها بما لا يَعلَمُ، إلا أنَّه قَد قال لها ابنُ عباسٍ أو بَعضُ مَن كان عِندَه: لَو كان أبَواكِ حَيَّينِ أو أحَدُهُما. قال هِشامٌ: فلَو جاءَتنا اليَومَ أفتَيناها بالضَّمانِ. قال ابنُ أبي الزِّنادِ: وكانَ هِشامٌ يقولُ: إنَّهُم كانوا أهلَ ورَعٍ وخَشيَةٍ مِنَ الله، وبُعَداءَ مِنَ التَّكَلُّفِ والجُرأةِ على اللهِ. ثُمَّ يقولُ هِشامٌ: ولَكِنَّها لَو جاءَتِ اليَومَ مِثلُها لَوَجَدَت نَوكَى (٢) أهلَ حُمقٍ وتَكَلُّفٍ بغَيرِ عِلمٍ (٣). واللهُ أعلَمُ.


(١) كتب فوقها في الأصل: "كذا". وعند الحاكم وابن جرير وفي المهذب ٦/ ٣٢٣١: "قالا".
(٢) النوك: الحمق، والنوكى: الحمقى. ينظر النهاية ٥/ ١٢٩، والتاج ٢٧/ ٣٧٧ (ن وك).
(٣) الحاكم ٤/ ١٥٥، ١٥٦، وسقط من إسناده من أوله إلى ابن وهب. وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن جرير في تفسيره ٢/ ٣٥٣، ٣٥٤، وابن أبي حاتم في تفسيره (١٠٢٢) عن الربيع بن سليمان به مختصرًا.