للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقُلتُ: ما له؟ قالوا: يُوعَكُ. فلَمّا جَلَسنا قَليلًا تَشَهَّدَ خَطيبُهُم فأثنَى على اللهِ بما هو أهلُه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، فنَحنُ أنصارُ اللهِ وكَتيبَةُ الإسلام، وأنتُم - مَعشَرَ المُهاجِرينَ - رَهطٌ مِنّا، وقَد دَفَّت دافَّةٌ (١) مِن قَومِكُم، فإِذا هُم يُريدونَ أن يَختَزِلُونا مِن أصلِنا (٢)، وأن يَحضُنُونا (٣) مِنَ الأمرِ. قال: فلَمّا سَكَتَ أرَدتُ أن أتَكَلَّمَ، وكُنتُ زَوَّرتُ مَقالَةً أعجَبَتني أُريدُ أن أُقَدِّمَها بَينَ يَدَي أبي بكرٍ - رضي الله عنه -، وكُنتُ [أُدارِئُ مِنه] (٤) بَعضَ الحَدِّ (٥)، فلَمّا أرَدتُ أن أتَكَلَّمَ قال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: على رِسْلِكَ. فكَرِهتُ أن أُغضِبَه، فتَكَلَّمَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه -، فكانَ هو أحلَمَ مِنِّي وأوقَرَ، واللهِ ما تَرَكَ مِن كَلِمَةٍ أعجَبَتنِي في تَزويرِي إلَّا قال في بَديهَتِه مِثلَها أو أفضَلَ مِنها حَتَّى سَكَتَ؛ قال: ما ذَكَرتُم مِن خَيرٍ فأنتُم له أهلٌ، ولَن نَعرِفَ (٦) هذا الأمرَ إلَّا لِهَذا الحَيِّ مِن قُرَيشٍ، هُم أوسَطُ العَرَبِ نَسَبًا ودارًا، وقَد رَضِيتُ لَكُم أحَدَ هَذَينِ الرَّجُلَينِ فبايِعوا أيَّهُما شِئتُم، وأخَذَ بيَدِي وبيَدِ أبي عُبَيدَةَ ابنِ الجَرّاحِ وهو جالِسٌ بَينَنا، فلَم أكرَهْ مِمّا قال غَيرَها، كان واللهِ أن أُقَدَّمَ فتُضرَبَ عُنُقِي لا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِن إثمٍ أحَبَّ إلَيَّ مِن أن أتأمَّرَ على قَومٍ فيهِم أبو بكرٍ - رضي الله عنه -، اللَّهُمَّ إلا أن تُسَوِّلَ لِي نَفسِي عِندَ المَوتِ شَيئًا لا


(١) الدافة: القوم يسيرون جماعة. النهاية ٢/ ١٢٤.
(٢) يختزلونا من أصلنا: أي يقطعونا عن الأمر وينفردوا به دوننا. فتح الباري ١٢/ ١٥١.
(٣) في س: "يخصوننا"، وفي ص ٨: "يحضوننا". وأحضنت الرجل عن كذا: إذا نحيته عنه واستبددت به دونه. مشارق الأنوار ١/ ٢٠٧.
(٤) في س، ص ٨: "أدرى منه"، وفي م: "أدارئ عنه".
(٥) الحَدُّ: الغضب. النهاية ١/ ٣٥٣.
(٦) في س، ص ٨، وصحيح البخاري: "يعرف".