أن كاتَبَ مُعاويَةَ، وحَكَّمَ الحَكَمَين، خَرَجَ عَلَيه ثَمانيَةُ آلافٍ مِن قُرَّاءِ النّاس، فنَزَلوا أرضًا مِن جانِبِ الكوفَةِ يُقالُ لها: حَروراءُ. وإِنَّهُم أنكَروا عَلَيه فقالوا: انسَلَختَ مِن قَميصٍ ألبَسَكَه اللهُ وأسماكَ به، ثُمَّ انطَلَقتَ فحَكَمتَ في دينِ اللَّه، ولا حُكمَ إلَّا للهِ. فلَمَّا أن بَلَغَ عَليًّا ما عَتَبوا عَلَيه وفارَقوه؛ أمَرَ فأذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لا يَدخُلَنَّ على أميرِ المُؤمِنينَ إلَّا رَجُلٌ قَد حَمَلَ القُرآنَ. فلَمّا أن امتَلأَ مِن قُرَّاءِ النّاس، الدّارُ؛ دَعا بمُصحَفٍ عَظيمٍ، فوَضَعَه عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَينَ يَدَيه، فطَفِقَ يَصُكُّه بيَدِه ويَقولُ: أيُّها المُصحَفُ حَدِّثِ النّاسَ. فناداه النَّاسُ فقالوا: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ما تَسألُه عنه؟ إنَّما هو ورَقٌ ومِدادٌ ونَحنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رُوِّينا مِنه، فماذا تُريدُ؟ قال: أصحابُكُمُ الَّذينَ خَرَجوا بَينِي وبَينَهُم كِتابُ اللهِ تَعالَى؛ يقولُ الله عَزَّ وجَلَّ في امرأةٍ ورَجُلٍ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: ٣٥]. فأُمَّةُ محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظَمُ حُرمَةً مِنِ امرأةٍ ورَجُلٍ، ونَقَموا علَيَّ أنِّي كاتَبتُ مُعاويَةَ وكَتَبتُ: عليّ بنَ أبي طالِبٍ. وقَد جاءَ سُهَيلُ بن عَمْرٍو ونَحنُ مَعَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحُدَيبيَةِ حينَ صالَحَ قَومَه قُرَيشًا، فكَتَبَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الزحيمِ". فقالَ سُهَيلٌ: لا تكتُبْ: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. قُلتُ: فكَيفَ أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ باسمِكَ اللَّهُمَّ. فقالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اكتُبْه". ثُمَّ قال: "اكتُبْ: مِن محمدٍ رسولِ اللهِ". فقالَ: لَو نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لَم نُخالِفْكَ. فكَتَبَ: "هذا ما صالَحَ عَلَيه محمدُ بن عبد اللَّهِ قُرَيشًا". يقولُ اللَّهُ في كِتابِه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١] فبَعَثَ إلَيهِم عليُّ بن أبي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute