للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن نوادره جمعه للأموال الكثيرة التي لم يجمعها قبله من الملوك غيره، من يوم سلطنة برقوق وهلُمّ جرًّا إلى أيامه، لكنْ من أيّ وجهٍ كان، وعلى أيّ وجهٍ كان.

ومن نوادره صرف الأموال أيضًا على العساكر، وعلى من يعلم ويتحقّق باستحقاقه بمقدار كبير، ولم يقع لغيره ما وقع له من المصارف على العساكر، والنفقات عليهم بنفقات عظيمة لم تتفق لمن تقدّمه، بحيث يولي لمن كانت عادة النفقة له ألفي دينار نحو الخمسين ألف دينار، وقِس على هذا غير ذلك.

ومن نوادره ركوبه بنفسه في كل قليل من الأحيان، واجتيازه بكثير من الأزِقّة الضيّقة التي لم تجر عادة سلطان ممن تقدّم من السلاطين الاجتياز بها ولا دخولها في حالة سلطنتهم.

ومن نوادره حضوره غالبًا تعليم مماليكه (١) في الرمح والنشّاب بظواهر القاهرة.

ومن نوادره في التكلّم في بعض الأحيان في الأشياء الجليلة والحقيرة، حتى أقاطيع الخاصكية وغيرهم، بل ومشافهة الفلاحين في مثل ذلك، بل ربّما حاسبهم على بعض أشياء وحاققهم.

ومن نوادره التفاته في بعض الأحيان لِما لا يؤبه إليه ولا يوحي (٢) عليه من قليل الأشياء، مع عظمته وشهامته الطائلة.

ومن نوادره إبطال الكثير من المراكب والخِدَم الملوكية، كخدمة القصر وغير ذلك، وقطع الكثير من الأسمطة التي جرت بها عادة مَن تقدّمه من الملوك.

ومن نوادره الزيادة في بعض الأسمطة والطواري أيضًا أشياء غريبة الزيارة، ولم تجر العادة بها، كإحضار الأشربة والمُرَبّيات والمخلّلات والحلاوات، وفي من الفواكه والبطاطيخ والأجبان والمخبوز، وغير ذلك، فتجعل على الأسمطة بين اللحوم والأطعمة، وهي من غريب نوادره التي حُمد عليها، لأنها تؤذِن بالهمّة والشهامة والكمال.

ومن نوادره في كثرة العماير والأبنية التي أنشأها وملكها أيضًا، التي قلّ أنْ وقعت أو لم تقع لملك قبله، وذلك بسائر بلاد مملكته ومدنها غالبًا، ومع ذلك فإنه يسّره لأقلّ ملك من أملاك رعيّته، ويملكه بأدنى سبب، حتى ملك منها شيئًا يجلّ عن الحدّ والعدّ.


(١) في الأصل: "مماليه".
(٢) في الأصل: "ولا يوح".

<<  <  ج: ص:  >  >>