للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مثل الكبار من دون الأيدي والأبصار، كالشيخ أكمل الدين وغيره.

ثم لما مات الشمس الأمشاطي قاضي الحنفية أخذ يرشّحِ نفسه للقضاء، ويُظهر للناس أن يتولّاه، بل ويُظهر أنه سُئل به، وأن السلطان شافَهَه في ذلك، وأنه امتنع من ذلك، وأشاع ذلك إشاعة فاشية لكل أحد، وجزم كثير من الناس، بل جميع من بلغه ذلك عنه أو سمعه منه لصحبته، إلّا أنا فإنّني مع ما كان يذكره ما توهّمته بأن يكون فضلًا عن أن أجزم به، لعلمي بشهامة السلطان، وكذب هذا القائل. ثم لما عيّن الغزّي للوظيفة، وهو أجمل من الأول، لكنّه دلّس على السلطان في أمره، فأخذ هو يُظهر أنه قد عجّز السلطان، وحتى إذا لم يُجبه عدل عنه إلى الغزّي، وأنه سُئل عن العرف، فأجاب بأنه لا يصلح لذلك، وكان هو قد أخذ في أسباب السعي في القضاء، وتكلّم مع من يحسن ذلك، ينال السلطان من الأتراك، حتى بلغني أنه لما كلّم السلطان، في ذلك نَهَر الذي تكلّم به وقال: إن الناس قد أكلوا فهمنا في توليته لمشيخة الأشرفية وتولية القضاء، وما وقع من السلطان غير ذلك أصلًا، وكاد أن يهلك غمًّا حين ولاية الغيب، وأخذ في إظهار حمده للَّه وشكره في كونه نجَّاه من ذلك، وصرفه عنه باختياره، وإلَّا فقد كان ولي، ثم إنه شرع في عمارة مكانٍ هائل بداره، زيادة على ما كانت عليه أولًا وثانيًا، وهدم ما كان قد أنشأ (١) بها بطرًا، بعد أن كان يسكن بالأجرة، وهو عاجز عن دفعها، ويجيء إلى مطبخ الخانقاة الشيخونية، وبيده سطل نحاس، يأخذ فيه نصيب والده من الخبز والطعام الذي بها لصوفتها، ويحمل ذلك لمنزل أبيه ليأكله وإيّاه، ثم شرع في بناء ما قصده من الزيادة على بركة الفيل، فأدخل في بنائه قطعة من البركة، وبدر فيها على كثير من جيرانه، مُدَّعيًا بأنه بإذنٍ من السلطان، ومن ذا الذي يعارضه. وبناه على هيئة غريبة نادرة بهذه البلاد على ترتيب أهل الشام من عمل المربّع، ومقابلة الإيوان، وتوسّط الدار ما بينهما بركة ماء، ومن الجانبين حوضين للزراعة بهما، وحمل إليه الكثير من الناس أشياء ما بين أخشاب ورخام، وغير ذلك من آلات البناء، واستعمل جماعة من الرؤساء في ذلك، منهم: الكاتب على ذلك، ومنهم الواقف في هيئة الشادّ، وغير ذلك، وفرغ ذلك وأتمّه، وبلغ السلطان ذلك، وبينا هو في ألذّ عَيش وأهنئه (٢) أخذه اللَّه من الجانب الذي إليه يركن، وهو أستاذه السلطان الذي في الحقيقة أنشأه وأظهره، فنكبه وما مرّ ذلك على وهمه قط، بعث إليه بالطواشيّة، ومعهم الفَعَلة، وهدموا ما بناه بحضوره،


(١) في الأصل: "انشاء".
(٢) في الأصل: "واهناه".

<<  <  ج: ص:  >  >>