للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النظام، وزاد في إحسانه إليه خصوصًا، وكان التقيّ هذا في بداية أمره مملِقًا، فاعتنى النظام بشأنه، ورتّب له مرتّبًا من ماله، ولازمه التقيّ هذا زيادة عمّا كان عليه قبل ذلك، وقرأ عليه الكثير من تصانيفه.

ومن مشايخه أيضًا: الشيخ أبو بكر العجمي الطبيب، والشهاب بن المجدي، وابن (١) الهائم، والشمس الشطَّنوفي، والشهاب الصِّنهاجي، والشمس الزراتيتي، وأخذ عن والده أيضًا الكثير، وقرأ علوم الحديث على الحافظ ابن (٢) حجر، وسمع عليه أيضًا "ألفيّة العراقي"، وله مشايخ أُخَر عدّة، ولم يزل يدأب ويحصّل ويجتهد حتى مهر وبرع وشُهر وذُكر (٣)، وأشير إليه بالفضيلة، وتصدّر لنفع الطلبة والإقراء والتدريس في زمن صباه وشبوبته، وحياة الكثير من مشايخه، وانتفع به الجمع الجمّ من أعيان الطلبة من أهل كل مذهب، وافتخروا بالأخذ عنه، وطارت شهرته وبعُد صيته، وصنّف وألّف، فمن تصانيفه "شرح النقاية" في عدّة مجلّدات، وهو شرح جيّد كثير النفع، تُلُقّي بالقبول من كل قبيل، و"شرح نظْم نخبة الفِكر" لوالده في علوم الحديث، وله "الحاشية" المفيدة على "الشفاء" و"الحاشية على مُغني ابن (٤) هشام" وغير ذلك.

ولما أنشأ قانباي الجركسي تُربته التي تُنسب لأستاذه، الماضي ذِكرها غير ما مرة، ولّاه مشيختها وإمامتها وخطابتها، وأنزله بسَكنٍ جيّدٍ جعله له بها، وكان يعتني به وبشأنه، وقُصد للمشكلات والمعضلات وكثير من المهمّات في كل فنّ، فأتى بما يُستغرب ويفيد، وأوضح ذلك غاية الإيضاح، وعُيّن غير ما مرة للقضاء فامتنع، وعُدّ بأخرة من أئمّة الإسلام، كل ذلك مع الدين المتين وقوّة اليقين والخير والصلاح، وكثرة الانجماع عن بني الدنيا، وعدم الالتفات إلى أحدٍ منهم وإليها.

وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة.

ولما قدمتُ من المغرب في شوّال سنة إحدى وسبعين اجتمعت به فأنِس لي وإليّ، وكان متعلّلًا فسألته الإجازة، فشافهني بها في ثالث ذي القعدة، وأكرمني، وسمعت الكثير من فوائده، ولا زال متعلّلًا حتى زاد به الحال.

وتوفي في ليلة السبت سادس عشرين ذي الحجّة، ودُفن من الغد بتربة قانباي المذكورة.

وكانت جنازته حافلة ومشهدًا من أحفل المشاهد، وكثُر تأسّف الناس عليه.


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "وذكرا".
(٤) في الأصل: "بن".

<<  <  ج: ص:  >  >>