للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السلطانية والخِدم. وكان بلغ الظاهر بأن الوالد لما خرج من الكرَك سلّمها لآقبْغا على أكمل وجه وأجمله، مع إظهار حشمة وكلمات فيها تعظيم الظاهر، فعرف له ذلك، وكان سبباً لوفور حُرمته في دولته واعتنائه بشأنه. وكان ذلك خلاف القياس. وباشر الوالد أتابكية صفد، وبها إذ ذاك نائبها حينئذٍ، الأمير إينال العلائي (١)، المتسلطن بعد ذلك، وهو الملك الأشرف الماضي ذِكره، فرافقه بها مدّة يسيرة حتى كلان إينال يركب ويحضر إليه في كل قليل بمنزله، وكان بينهما صحبة أكيدة ومحبّة زيادة عمّا كان قبل ذلك، لكنْ ما ظهر نتيجة ذلك بعد سلطنته، لعوارض قد أشرنا إلى شيء منها فيما مضى، عند ذِكرنا حضور الوالد إلى القاهرة، في أوائل سلطنة الأشرف إينال هذا، ثم دام بصفد يسيراً، حتى كانت قضية إينال الحَكَمي (٢) وتَغْري بَرْمَش (٣) نائبي الشام وحلب، وتوجّه العساكر إليه، فخرج الوالد صحبة العسكر الصفدي، على أن إينال قال لة: أنت مُعفًى عن الخدم والأسفار، فلم يرض الوالد بإقامته بصفد، وكان معه جماعة من جياد الأجناد والمماليك النافعة، فقال: لا أتقاعد عن مهمّ السلطان، وخرج بطُلْب جيّد وأُبَّهة، واتفق كسرة إينال الحكمي بعد أن كانت الكسرة أولًا على السلطانيين من إينال ووقعت سناجقهم، ولم يبق منها في ذلك اليوم سوى سنجق الوالد بيد شخص من مماليكه، يقال له أسندمر، ثبت به بمكان، فاتفق أن تراجعت العساكر، فاجتمعوا إلى هذا السنجق ثم كرّوا وحملوا على إينال الحكمي فهزموه، وخفي عليهم حال إينال. وكان الوالد في أثناء هذه الهرجة وجد طبَرَ (٤) إينال الحَكمي مُلقى على الأرض، فأخذه ووجد به سبع عشرة (٥) ضربة سيف، فأحضره الوالد لآقبُغا التمرازي (٦)، الذي كان ولّاه الظاهر نيابة الشام من الأتابكية، وبعثه لحرب إينال، وعرّفه أن هذا طبر إينال، وأنه إن لم يكن مات أو بلغ قريباً من مرتبة الموت ما كان طَبَره وقع من يده. وحضر جماعة من الأعيان، وعرفوا بأن هذا طَبَر إينال، فكتب آقبُغا مكاتبات


(١) هو السلطان الأشرف أبو النصر، الأجرود. مات سنة ٨٦٥ هـ. وقد تقدّم هناك.
(٢) قتل (إينال الحكمي) -بالحاء المهملة- في سنة ٨٤٢ هـ. (نيل الأمل ٥/ ٨٦ رقم ١٩٣٢ وفيه الجكمي، بالمعجمة).
(٣) قتل (تغري برمش) في سنة ٨٤٢ هـ. (انظر: نيل الأمل ٥/ ٨٨ رقم ١٩٣٦ وفيه مصادر ترجمته).
(٤) طَبَر: لفظ فارسيّ أصله: طَبَرزين: سلاح حربي يشبه الفأس. وهو بالتحريك.
(٥) في الأصل: "سبعة عشر".
(٦) مات (آقبُغا التمرازي) في سنة ٨٤٣ هـ. (انظر: نيل الأمل ٥/ ١٠٢ رقم ١٩٤٢ وفيه مصادر ترجمته).

<<  <  ج: ص:  >  >>