للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان زين الدين هذا ممن يتحيّر الإنسان في معرفة أحواله وأموره يتناقض الواقع فيها.

فمنها ظلمه للعباد وجوره الزائد وعسفه، وخراب البلاد، وسفك الدماء، وعدم العَفّ والكَفّ عن الأموال والأنفُس، والجرأة والإقدام، والتسلّط على خلق اللَّه بالضرر والأذى.

ثم عمارة الجوامع والمدارس، وكثرة البِرّ والصِلات والمعروف والصدقات، وأنواع الخيرات، وتجهيز السحابة مع الحاج لإيواء الفقراء.

ومنها: فقره وفاقته وخموله وتعاسته في مباديه، وعدم الاكتراث إليه والتصريح عليه، ثم غِناه ونباهته وتموّله وثروته، هالقاء بال كل أحد إليه، واعتماد السلطان في أموره عليه، واعتنائه وأهل الدولة بشأنه، وتمكُّنه التام من كثير من النقض والإبرام وغير ذلك.

ومنها نفاذ كلمته، وقيام ناموسه وحُرمته، وبُعد صِيته وشُهرته، ثم سكون ذلك جميعه حتى كأنه لم يكن، وما كفاه ذلك حتى وقع له أضداد ذلك حين قلّة حُرمته ومصادرته، وعدم الالتفات إليه، واثقاله بالمِحَن والشدائد والعقوبات، حتى أتى ذلك على نفسه.

كان كثير الظلم والجور، مغرمًا بذلك، جمّاعًا للمال من أيّ وجه كان، وكان لا يفرّق بين الحلال والحرام، ولا عليه من حمْل الآثام، وضيعاً كما للدنيا مطيعاً في أغراض نفسه، مسرفًا عليها، كثير التخبيط والتخليط، غير محمود في دينه ولا مشكور في ذلك، عارفاً بفتح أبواب المظالم. وهو الذي حسّن لقيز طوغان في أيام أستادّاريته لما كان هو ناظر الديوان المفرد أن يحسّن للظاهر أخْذَ الرزق الجيشية والأحباسية بالأعمال الجيزية وضمّها إلى الديوان المفرَد لأجل سداده، لولا أن قام في ذلك جماعة، وغرض السلطان بأن ذلك إحداث مظلمة وليست بمصلحة، وخوّفوه عاقبة دعاء الناس عليه حتى كفّ عن ذلك وإلّا فقد كان ثم ما أراده الدين هذا، ومع ذلك فما كفّ عن أذاه ولا زال حتى أبدل ذلك بأن فرض على كل فدّان من تلك الرزق (١) مائة درهم نُقرة في السنة، وجُبيت واستمرت في صحائفه، ولها نحو (٢) من خمسين سنة، فعليه إثمها وأثم من عمل بها إلى يوم القيامة. وله نحو هذا من فتح أبواب الظلم ما لا يكاد أن يُعَدّ.


(١) هكذا. والصواب: "من تلك الأرزاق".
(٢) في الأصل: "نحوًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>