للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له الأثر، فأضاعوا الحزم في هذا اليوم، ولهذا ندموا بعد ذلك حيث لم ينفعهم الندم، وعلموا أن أولئك في تدبيرهم وموافقتهم كانوا في حسابهم أيضًا، ولعلّ من لم يسمع شيئًا من ذلك على تقديره كانوا يظنّون أن الأمر يطول (قياسًا) (١) على كائنة المنصور، وأنه إذا طال الحال عدّة أيام أدركهم فيجيء جانَم فيسلطن، بل لعلّهم جزموا بأنه يحضر، وأنه هو السلطان، فاغتنموا مع اضطرابهم هذا الحال وظنّوا أن الظاهرية إنّما هم ماشون (٢) في شيء يعود نفعه عليهم، أعني على الأشرفية، وأنهم ممّن يطبخ بهذا القِدر لِما قرّره أولئك في عقول هؤلاء، هيهات فاتهم الحزم، بل والعزم والرأي والتدبير.

وأمّا جانِم بقلّة سعده وتحمّل خموله وقع له بدمشق ما وقع من القيام عليه والرمي عليه من القلعة وخروجه من دمشق على أقبح وجه مجرّدًا إلى القاهرة مجِدًّا في ذلك، ويا ليته تم على ذلك من غير إعمال فكر، وكان ترك ما قلّده، بل لم يكن دأبه في حين أخذه في المجيء إلى القاهرة إلا أنه دبّر أن يبعث جماعة من خواصّ مماليكه وجنده ومعهم عدّة منيعة بأن يقفوا بالطرقات لمنع من يمر منها (إلى) (٣) القاهرة حتى لا يصل خبر مجيئه قبله ويكون خبره معه، ويكون هو حر نفسه خوفًا من المؤيَّد لئلّا يستعدّ له ويتهيّأ لأجله، فكان في تدبيره الأول إلى تدبيره إذ لو بذل ذلك التدبير حتى يصل الخبر لربّما كان ذلك سببًا لاستيلائه على الأمر بأن تخرج الناس إليه أو يتقاعدوا ويتشاغلوا في الأيام التي وصل عقيبها بعد سلطنة خُشقدم، وبعث الأمر باستيلائه وتملّكه، لكن هذا هو الذي كان قدّره اللَّه تعالى في الأزل حتى بقي جانَم بعد ذلك يعضّ يديه ندامة على ما فعل من منعه وصول أخباره قبله، ولا أفاده ذلك شيئًا.

ولنرجع إلى ما كنّا فيه، وهو أنه لما فعل الجند من إحضار الأمراء ما فعلوا، وكمل الجَمع، بدر من تكلّم من الأمراء فقال: ما القصد بهذا الجمع؟ فأجاب جماعة من الجند القائمين لقصد خلع المؤيَّد من السلطنة وأخذوا في تعديد مساوئ (٤) وأشياء يخوّفون بها الأمراء من المؤيَّد المذكور، وتكلّموا في معنى ذلك بكلمات كثيرة، ووافق من تكلّم على ما قالوا كلمن (٥) حضر من طوائف الحدر، وأعلنوا بذلك بلسان رجل واحد، بل وكان ذلك من عرقب الأمراء أيضًا، لأن الجمع كانوا في تخوّف عظيم وضرر كبير من المؤيَّد هذا، لا سيما وقد وقع منه ما


(١) مهملة في الأصل.
(٢) في الأصل: "ماشيون".
(٣) مكرّرة في الأصل.
(٤) في الأصل: "مساو".
(٥) هكذا في الأصل. والصواب: "كل من".

<<  <  ج: ص:  >  >>