وقع من نقيبه نقيب الجيش على ما عرّفه فزاد خوْفهم ورَيبهم مع ما انضم إلى ذلك من كَون المؤيَّد هذا كان كثير الأعداء من عدّة الأمراء، حتى كان في سلطنته لا يتكلّم مع كبار الأمراء ويتكبّر عليهم ويعقد ما شاء فيها، ويُظهر لهم أنه مالكهم ولا قدرة لهم عليه، وأنه ليس كآحاد من تقدّمه من أولاد السلاطين الذين تسلطنوا لأنهم كانوا صغارًا لا دُربة لهم ولا ممارسة، وأنه هو الذي كان السلطان في أيام أبيه في الحقيقة حيث كان إليه التصرّف في الملك لغالب الولايات والعزل، وأنه الأتابك إلى غير ذلك مما حدس عنه. بل يقال بلغهم أنه صرّح به لخواصّه بل ولغيرهم، ثم مع ذلك كله بقي يبلغهم عنه أنه في خلواته يقرّب الكثير من أوباش الناس ويتكلّم مع السفلة، فعظم ذلك عليهم، ونفرت خواطرهم منه، هذا من كان لا عليه منه مثل الأشرف.
وأمّا الظاهرية فعداوتهم له ظاهرة لا يُحتاج إلى إقامة البرهان عليها. ولما تكامل هذا الجمع الموفور، ووقع الكلام المذكور، وتحرّك أعيان الظاهرية ورأسهم إذ ذاك جانِبك نائب جدّة كما أسلفناه، وأعيان طائفته له سائقون، وخشداشه له خاضعون، وعند رأيه واقفون، مثل الأمير أُزبَك أتابك زمننا الآن، بُردُبك البجمقدار نائب الشام بعد ذلك. وكان الرأس النَوبة الثاني إذ ذاك، وظنّ كلِّ من الطائفتين أن ذلك الجمع لسلطنة جانَم، لأن الاتفاق كان قد وقع على ذلك فيما بينهم قبل ذلك، فإنهم كانوا قبل ذلك الاتفاق إذا أخذوا في التكلم في القيام على المؤيَّد واجتمع بعض الطائفتين بالبعض بدَرَ القائل من كلا الطائفتين بأن قال إنما يكون ذلك بشرط بيننا وهو أنه لا يكون السلطان لا منّا ولا منكم، فيفترقون حتى سماع ذلك على غير طائل، حتى وقع رأي الظاهرية بإجابة الأشرفية إلى سلطنة جانم على ما بيّنّاه، فتآلفت حينئذٍ قلوبهم وأخذوا في الاتفاق مع بعضهم البعض على الوجه الذي أسلفناه بمعناه حتى أعمل الظاهرية ما أدّى إلى دهم هذا الداهم ومزاحمة هذا المزاحم على ما زعموه، ولهؤلاء أظهروه، كل ذلك من استرابتهم وعدم ركونهم إلى المؤيَّد وخوفهم من بطشه وفتكه بهم قبل أن يبادروا إلى شيء من التدبير حتى وقع منه ما يقوّي ما حدسوه على ما زعموه، وأنهم أيقنوا به بعد ما كانوا يظنّونه، وقع الأمر بغتة في غيبة جانَم، ولم يعلموا أن يكن قدومه عليهم ويتفق جانِبك نائب جُدّة خروج هذا الأمر عن جانَم لبعده عنهم على أنه هو أكبر قصده، وإن كان هو مخالف لما هو الظاهر عند الأمراء، وهو استمالة الأشرفية، فأظهر أن الداهم دهم، والحاطم حطم، وأن المهلة في هذا الأمر يؤذن إلى إطارة الرقاب وإلى هلاك الأنفس والذهاب على أنه ولو كان الأول غير ظاهر وهو سلطنة