جانَم على ما زعم فإن التأخر له آفات، فأخذ يدبّر فيما هو بصدده ليتمّ لغير جانَم، ثم يفعل هو بعد ذلك ما بدا له من أوالي أعدائه الآخذين على أتمّ قضية لا سيما ولم يتمكن منهم أحد فى السلطنة على ما ستعرف ذلك فى سلطنة الظاهر خُشقدم، بل وفي مجيء جانَم، بل كان يدبّر جانِبك أعم من هذا كله، إذ قيل إنّما كان يوطّن لنفسه على ما حدسه منه خشقدم الظاهر بعد ذلك حتى كان سببًا لقتله على ما ستعرفه فى محلّه. وقد كان الأمراء كلهم قد اجتمعوا فى هذا اليوم بدار قوصون سكن الأتابك خُشقدم كما قلناه وهم جلوس بالمقعد من الدار المذكورة، فبدر جانِبك نائب جُدّة بأن قام هو وجانِبَك القريب وجانِبك المشدّ، وأزبك من ططخ، وبُردُبك البجمقدار، وجماعة أُخَر من أعيان الطائفتين وانفردوا بأنفسهم بمكانٍ على حِدة، وأخذوا فى الكلام فيمن يولّوه السلطنة، وكان غرض نائب جدّة القيام فى سلطنة خُشقدم لا جانَم نائب الشام، بل ولا غيره لكنه لم يُظهر ذلك فى هذه الحالة خوفًا من النفرة، ثم شرع فى التكلّم بما فيه استمالتهم لغرضه والتوطئة لذلك، فقال: نحن قد كتبنا للأمير جانَم بالحضور واتفقنا على سلطنته وأنتم عارفون منا ذلك يقينًا، غير أن ذلك كان لو مهل علينا المؤيَّد فإنه أحسّ بالقضية، بل وبأنه سيقام عليه، فأراد المعاجلة فى رمضان لأنه يقول: إذا خرج رمضان قاموا عليّ، وإذ جاء جانَم ولو فى رمضان فالأبدأ أنا بأخذهم قبل أخذهم لى، وفعل ما فعله من طلبه الأمراء، وقد ثرنا قبل أن يثور، ودهمنا هذا الأمر الفظيع على حين غفلة، ولا بدّ لنا من محاربة المؤيَّد فى هذا اليوم ومقاتلته وإلّا استفحل أمره علينا إن تركنا قتاله وتقاعدنا عن ذلك ووقع بنا ما خشيناه من أمره وفعل فينا ما أحبّ، ومتى تهاونا فى ذلك حتى انفلّ عنّا هذا الجمع العظيم ذهبت أرواحنا ولا بدّ من الحيلة فى ذلك، وأنتم تعلمون أن السلطان لا يقابل إلّا بسلطان مثله يقام قبل الشروع فى مقاتلة الآخر وإلّا فسد النظام ولا تجتمع الكلمة وتتوفر الحرمة إلّا بإقامة إنسان، ولما قرّر لهم جانِبَك هذا بدهائه ومكره خدعهم به، وأجمع رأي الكل على أن هذا رأي، وأنه لا بدّ من سلطنة واحد من أعيان الأمراء الأكابر. فلما تم له هذا الأمر ولزمهم القول به انتقل بعد ذلك إلى تعيين هذا الواحِد من الجماعة ومن يكون وذهنه كله مع خشقدم ليس إلّا لاستلاشته فى عينه، إمّا توطئة لنفسه كما قيل عنه بعد ذلك، أو ليمكنه بأن يفعل به ما يختاره، أولهما بقاء أولي (١) ذلك مما يعلم الله تعالى حقيقته. ثم أخذوا فى التكلّم فى ذلك ودار الكلام بينهم فيه، فبدر