للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع المؤيَّد لحظة واحدة، بل رتّب حيلة فما ظهر أنه ابتكره، وأخذ بعد أن تقاعد عن حفظ باب السلطنة حتى أدخله بَلَباي، وجانِبَك الظريف، وبيبرس خال العزيز بجموع منهم وملك من غير مانع ولا مدافع.

ولما استعيد باب السلسلة المذكور ونزل السلطان كما قلناه، واستقرّ به الجلوس (. . . .) (١) إلى الرملة فوجد الجمع قد تكاثف بها وكثر العدد من المخالفين له، ورأى نفسه وعساكره قليلة جدًا، ومع ذلك فلم يكترث بذلك وتمادى إلى الأخذ في أسباب المدافعة عن نفسه بمن حضره، وكان عنده من عسكره من الأمراء الأصاغر قراجا الماضي ذِكره، ومن أعيان خاصكيّته فارس البكتمري أحد الدوادارية من الأجناد، وتَنِبك دواداره وهو أتابك العساكر قبل أن يتسلطن وما عسى أن يفعل هؤلاء. وأمّا الأمراء من خُشداشي والده وممّن (. . .) (٢) وكذا مماليك أبيه القدماء، فلم يطلع إليه الواحد منهم ولا (. . .) (٣) إليه، بل ولا الجماعة الذين كان يصحبهم في أيام أبيه ويمشون معه وفي خدمة ركوبه ونزوله مع إحسانه إليهم وصحبته لهم، والقيام في مهامّهم وقضاء أشغالهم ما بين أمراء وأعيان وغير ذلك من الخاصكية من سائر الطوائف الذين تقدّم ذِكرهم ما بين أشرفية وظاهرية وسيفية ممن كانوا يصحبونه ولا يقاومونه فلم ينتصر له في هذا اليوم الواحد منهم. وأغرب من ذلك أنهم مع عدم قربهم معه والانتصار له لزموا ديارهم في هذا اليوم حتى ينجلي لهم الأمر، بل ركبوا كلهم وانضمّوا إلى من خالفه والأتابك خشقدم. وأعجب من ذلك أن انضمامهم إليه كان قبل استفحال أمره وظهوره وقبل التكلم من سلطنته. وأعجب من هذا الأعجب، بل والأغرب منه أنهم كانوا في هذا اليوم من أشدّ العشرة عليه. وأشدّ تعجّبًا من كل ذلك أنهم ما كانوا عليه من الاجتهاد كانوا مع عسكر الأتابك خشقدم وعنده وعندهم من الممقوتين لا من المقرّبين ولا المتأهّلين حتى ولا ما رضاهم (٤) بالقول، وكان ذلّ الطرد والإبعاد ظاهرًا (٥) عليهم، والعيون بالمقت ناظرة إليهم، وهم يُضْمِرون ويجتهدون، حتى كان من أمرهم ما طبق عليهم، ومع إطلاعهم على ذلك كله ما صفمت قلوبهم إليه ولا تعطّفوا عليه ولا همّوا بطلوعهم له ومساعدته حتى جرى عليه بعد ذلك ما لو كانوا عنده ما جرى عليهم بعض منه (. . .) (٦) من الله تعالى. ويُعدّ هذا من أغرب النوادر التي ما سُمع بمثلها.


(١) مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(٢) مقدار كلمة واحدة.
(٣) مقدار كلمة واحدة.
(٤) الصواب: "ولا أرضاهم".
(٥) في الأصل: "ظاهر".
(٦) كلمة واحدة ممسوحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>