للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على أنه المسكين لو قصر عن الشر وأجاب، لعلّ لما صدر من المؤيَّد في حقّه ما صدر من خُشقدم، لكنْ لا مفرّ من القدر. وبعث جانبك في محضر الرسالة إليه ونهره وقال له: رُح إليه، وإن جئت إليّ مرة أخرى حملتك إلى الأمير الكبير سلطاننا، واستمر على ما هو عليه في الاجتهاد في القتال، وأخذ في أسباب الحث على ذلك وتحريض غيره، وصار أمر المؤيَّد يتلاشى، ولوائح زواله ظاهرة، والعسكر التحتي الذين مع خشقدم في نموّ وزيادة وكثرة عظيمة، والمناوشة بين الفريقين غير ناجزة، وقد بلغ المقاتلين الجَهدُ وهم صيام، وبلغ منهم أكبر الجهد، وأفطر في ذلك اليوم جمع جمّ من العسكر، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون. ولعلّ هذه الفِعلة من النوادر. ولقد بلغت المشاعر إلى أقاصي الممالك النائية والبلدان حتى شنّعوا على العسكر المصري، بل ونُسبوا إلى ما لا خير فيه، وبكّت عليهم بعض الملوك النائية لذلك، بل وعُيّروا به في كثير من الممالك، وحُقّ ذلك. ولم يزل القتال عمّالًا (١)، وجُرح جمع من الطائفتين، وقام الزُعر مع المؤيَّد، فاجتمع منهم بالرُميلة تحت المقعد المطلّ عليها جمع وافر (٢) منهم مساعدة للمؤيّد المذكور، وأخذوا في رجم التحاتي بالأحجار حتى أبادوا كثيرًا منهم، بل لم يمكّنوا أحدًا يصل إلى الرملة من جهة المصنع ومدرسة السلطان حسن، بل ومنعوا أيضًا وصول من يصل من سُوَيقة عبد المنعم إلى الرملة، هذا، والمؤيَّد يحرّضهم على ذلك، وربّما نثر عليهم نثارًا من الفضة، وداموا على ذلك من بين الصلاتين إلى قريب الغروب، وحنق منهم العسكر التحاتي غاية الحنق، وبقوا يتوعّدونهم (٣) وهم جادّون في ذلك وفي منع من يطلع من جزيرة البقرة ومن جهة القبو، وما فرّق جَمعهم إلّا دخول الليل، وما انقضى النهار إلّا وأمر المؤيَّد في إدبار وهزيع ينتظر من يحضر إليه لمساعدته، وكاتب جماعة ممّن عند الأتابك خُشقدم من الأعيان، فلم يلتفتوا (٤) إلى مكاتبته وتيقّنوا زوال ملكه، فما حضر أحد منهم لمساعدته. وبينا هم على ذلك قبل دخول الليل وإذ بخير بك القصروي نائب القلعة (. . . .) (٥) فأبطأ ونزل إلى الأتابك خشقدم فاجتمع به وقبّل الأرض بين يديه، (. . . .) (٦) فرحّب به وأقبل عليه، فقوي أمر العسكر التحاتي زيادة عمّا (. . . .) (٧) وقالوا: لو كان في المؤيَّد بقية لما تركه نائب ونزل. ولما بلغ المؤيَّد


(١) في الأصل: "عمال".
(٢) في الأصل: "جمًا وافرًا".
(٣) في الأصل: "يتوعّدونهم".
(٤) في الأصل: "فلم يلتفتون".
(٥) مقدار كلمتين ممسوحتين.
(٦) مقدار ثلاث كلمات.
(٧) مقدار كلمتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>