للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودام قانباي هذا على الأميراخورية إلى أن مات الظاهر وتسلطن ولده المنصور عثمان، وخرج عليه الأتابك إينال، وجرى ما جرى، فكان قانباي هذا رأس العسكر المنصوري بالقلعة وعين القائمين بمحاربة إينال ومن معه من العسكر التحتي، وكان زمام باب السلسلة بيده، وأظهر غاية الجهد في تلك الكائنة، وتجلّد على القتال. وهو الذي كان السبب في تطاول تلك الحرب عدّة أيام على ما تقدّم في محلّه.

ثم لما غُلب المنصور وتسلطن إينال قبض على قانِباي هذا مع جملة من قبض، وأُخرج إلى سجن ثغر الإسكندرية فدام بها مضيَّقًا عليه مدّة سنين إلى موت الأشرف إينال وخلْع ولده. ولما تسلطن الظاهر خشقدم بعث بإطلاقه من سجن الإسكندرية وخروجه إلى ثغر دمياط، فتوجّه إليها، وبها بغته الأجل.

وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، صادق اللهجة، سليم الباطن، شجاعًا، مقدامًا، ذا قوّة زائدة.

حكى لي الوالد، رحمه اللَّه، عن قانباي هذا أنه كان يأخذ القوس الكبار فيجرّه بيده ويُعِد ذلك إلى أن يبلغ ستة آلاف جرّة، وربّما زاد. قال: وكان له كرة كبيرة جدًا وصَولجان عظيم، وكان يضرب هذه الكرة بذلك الصولجان فينحدر بها من باب السلسلة وهو حافٍ فيُدْخِلُها بالضرب إلى الميدان، ثم خرّجها من بابه الآخر الذي من ظهر القرافة، ويدور كذلك حول القلعة مجتازًا بها على فارس قطايا أحد أمراء القلعة إلى أن يصل بها إلى الصّوّة إلى باب المدرج، وينحدر بها من المحجر فيدخلها من باب السلسلة من الجهة الأخرى، وهذه طاقة هائلة. قال: وكان يفعل ذلك وهو ماش حافٍ (١). قال: وكان إذا جلس للحكم بمقعد داره كان يجلس وإلى حذائه أربعة (٢) مطارق من خشب ومعها بزدغاني من فولاذ مورّق كبير، فإذا حضره اثنان من الخصوم ووقفا بين يديه وتداعيا ثم كلّم الظالم منهما على زعمه ولم ينجع في كلامه أخرج له أحد المطارق فقال له: انظر هذا أبو حنيفة يقول لك: اعطِ هذا حقّه، ثم يأخذ الثاني فيقول له: هذا الشافعي يقول لك: اعطِ هذا حقّه. ثم يخرِج الثالث ويقول: هذا مالِك، ويعيد ما قاله أولًا وثانيًا، ثم يخرج الرابع من المطارق فيقول: وهذا أحمد بن حنبل، ثم يقول: فإن أعطيت بالطيبة كما أشاروا هؤلاء (٣) أهل الشرع بها ونِعْمَت، وإلّا قضا (٤) قانباي الجركسي، ثم


(١) الصواب: "وهو ماش حافيًا".
(٢) الصواب: "أربع مطارق".
(٣) هكذا في الأصل. والصواب: "كما أشار هؤلاء".
(٤) هكذا في الأصل. والصواب: "وإلّا قضى".

<<  <  ج: ص:  >  >>