صريحُ طلاق المرء يلحق مثلَه … ويلحق أيضًا بائنًا كان قبله
كذا عكسُه لا بائنٌ بعد بائنٍ … سوى بائنٍ قد كان على فعله
نظم الشعر بهذا المعنى جميعه في بيت مفرد، رويته عنه بالإجازة، وهو هذا:
وكلّ طلاقٍ بعد آخَرَ واقعٌ … سوى بائنٍ مع مثله لم يعلق
وغير ذلك من النظم والنثر أيضًا.
وكان بينه وبين الوالد محبّة أكيدة وصحبة قديمة، وأخذ عنه قديمًا. وأجازه من مدّة مديدة. وأجازني أيضًا.
ولم يزل في عزّ وخير وديانة على منصبه إلى أن كبُر سنّه واعتراه في أواخر شبه ذهول. وهو الذي كان المندوحة في صرفه عن القضاء، بتدبير بعضٍ ممن له الغرض والوصول إلى القضاء، ظنًّا منه أنه يليه، فأشار عليه بالتنصل من القضاء، بأن يبعث إلى السلطان مستعفيًا منه، لكونه عجز لكِبَر سنّه، وما حصل له من شبه الذهول. ولا زال هذا المشير عليه به حتى فعل ذلك، فوُلّي القضاء بعده المحبّ بن الشِحنة، وما حصل ذلك المشير على مقصده، وجاء الأمر بعكس قصْده، واطّلع الشيخ على ذلك فدعا عليه، فما تهنّأ (١) بعده، وعدم مالًا طائلًا، ثم بعد مدّة وُلّي القضاء، ولم تطُل فيه إقامته، وصُرف أيضًا، وراح الشيخ بعد صرفه عن القضاء بدار زوجته بمصر العتيقة، وزاد به ذلك الشيء الذي يشبه الذهول، إلى أن توفي بعد ذلك بقليل في ليلة الجمعة تاسع ربيع الأول من هذه السنة.
وقد أكمل مائة عام إلّا عامًا وبعض شهور.
ويُحكى عنه في سنّه غريبة نادرة بأنه قال: رأيت في منامي ما يدلّ على أن عدد سِنِيّ حياتي بعدد أسماء اللَّه تعالى الحُسنى. أو ذكر أنه كُوشف به من بعض الصالحين، ولم أحرّر هذا، واللَّه أعلم.
وأُخرجت جنازته في مشهد حافل جدًّا، وأُحضرت إلى سبيل المؤمني. ونزل الظاهر خُشقدم فحضرها هو ومَن دونه، وأمر بأن يُدفن بتربته التي أنشأها بالصحراء -أعني السلطان- فحُملت جنازة الشيخ إليها ودُفن بها، وتأسّف الناس على فقده، وتحمّلت منه الكثير من الموالي، ولم يخلفْه بعده مثلُه، رحمه الله تعالى ورضي عنه.