للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وزادت وجاهته وحُرمته، ونفدت كلمته، ونالته السعادة، وصار من أعيان الدولة، بل ومن مدبّريها وأركانها، وقُصد في المهمّات وقضاء الأشغال، وخُدم من الناس، وقام هو أيضًا في حوائج الناس بقلبه وقالبه، وأنهى (١) القضايا المهمّة، وتكلّم في أشياء كثيرة كبيرة، وطار صيته، وبعدت شُهرته، وخرج في عدّة أشغال مهمّة، وقضايا كبيرة إلى جهة البلاد الشامية غير ما مرة، ونفع الكثير من الناس، مع عقل وعدل وسياسة وتعب (٢) وحشمة وحُسن سمت وتؤدة وتواضع، وبِرّ وخير ومعروف، ومحبّة في أهل العلم والفضل، ومجالستهم والقيام معهم في مرامهم ومقصدهم، والتعظيم لهم إلى الغاية والنهاية، والسعي إليهم بنفسه مع عظمته ووجاهته. وكان يردّ السلطان عن كثير من أغراضه الفاسدة، ويُرجعه عن ذلك، ويرشده إلى الخير، ويُحسِن سفارة الناس بينه وبينهم، مع عفّة وكرم نفْس وصدقات، لا سيما في شهر رمضان.

وله عدّة آثار جليلة، منها الجامع المعظّم بخُط قناطر السباع، وقد تقدّم شيء (٣) من ذِكره. وله الجامع الجليل بدمشق أيضًا، والمدرسة بالقرب من رحبة الأيْدَمُري التي كان بها الشيخ علاء الدين الحصْني، وغير ذلك من الآثار الدالّة على علوّ همّته وكثرة معروفة.

وكان إليه النَّهْي والأمر في مملكة أستاذه، فإنه كان الثالث من مدبّري المملكة، أستاذه، وولده أحمد المؤيَّد، ثم بُردُبك هذا. ولم يزل على ما هو عليه حتى مات أستاذه، وآل المُلك لولده أخي (٤) زوجته بُردُبك هذا، فدام على ما هو عليه من العظمة وتدبير المُلك إلى أن خلع ولد أستاذه أعني المؤيَّد أحمد، وكان معه في تلك الكائنة ( … ) (٥) فنُكب بعده، وصودر على مال كثير أُخذ منه على ما بيّنّاه. فيقال إن جملة ما تكلّفه وأُخِذ منه نحو المائتي ألف دينار. وكان يعاب بجمع ذلك من أيّ وجهٍ كان، ومع ذلك فكان لا بأس به.

وكان كثير المحبة للوالد جدًّا، وبينهما صحبة أكيدة.

وقد تقدّم كثير (٦) من ذِكرنا لتنقّلاته وأحواله فيما تقدّم من سِنِيّ سلطنة أستاذه، وكيف أخرج إلى مكة، ودام بها إلى هذه السنة، فاستُقدم إلى القاهرة.

وبينا هو في أثناء قدومه مع الحجّاج إذ تُوُفي قتيلًا بخُلَيص (٧)، بيد


(١) في الأصل: "وأنها".
(٢) في الأصل: "ولعب".
(٣) في الأصل: "شيئًا".
(٤) في الأصل: "أخو".
(٥) كلمة ممسوحة.
(٦) في الأصل: "كثيرًا".
(٧) خُليص: حصن بين مكة والمدينة. (معجم البلدان ٢/ ٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>