للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الباعث الشديد من ذلك، وقلق قلقا زائداً، وظهرت عليه وعلى أمرائه الكآبة والخوف الشديد، وماجت المملكة واضطربت، واختلفت الأقاويل في أمر العزيز. وبينا السلطان في هذا الخَطْب العظيم وما دهمه منه إذ بلغه هروب إينال أيضاً، فزاد ما به وكثُر وهْمُه، ولم يشكّ في أن إينال هو الذي أخذه، وتوجّه به على الهُجُن للبلاد الشامية لإينال الجَكَمي، وتَغري بَرْمش، ولو فعل إينال ذلك لكان له شأن، لكنّ القضاء أغلب. ثم أخذ الظاهر في التوصّل إلى معرفة هذه الحادثة على جليّتها بعد أن حنق من الزمام، وعزله، حتى ظهر بخلاف ما (قاله) (١) الظاهر، وأسفر الحال بأن العزيز مختفٍ بالقاهرة، وكذا إينال، ولم يخرجا منها، وقبض الظاهر على دادة العزيز سرّ النديم، وكانت عنده بالدُّور السلطانية، ثم قبض بعد ذلك على جهّاله أيضاً. وكانت هذه الكائنة من أعظم الكواين، وحصلت فتنة عامّة، لا سيما في يوم هرب العزيز، وثانيه وهو يوم عيد الفطر، فإنه كان أبشع الأعياد، حتى لم يُصلِّ السلطان بالجامع، بل صلّى بالقصر، وخطب به الحافظ ابن (٢) حجر على منبر صغير هُيّيء في ذلك اليوم. وجرت أمور يطول الشرح في ذكرها. ووقع للعزيز في اختفائه مِحَن وأمور، وقضايا كثيرة يطول تعدادها ووصْفها، وحصل لكثير من الناس بواسطة ذلك ما لا خير فيه، ونُكبت جماعة كبيرة بسبب ذلك، وتسلّطت المؤيَّدية بالتشويش والأذى البالغ على الناس، وصاروا يركبون ويكبسون مظانّ اختفاء (٣) العزيز، بل وغير المَظَانّ لأغراضٍ فاسدة، وصار من له غرض عند آخر يلمزه بهذه الكائنة، وضرب الظاهر جماعة كبيرة بالمقارع وعاقبهم بالكسّارات، وفعل ذلك مع الكثير من المماليك الأشرفية، ووسّط طوغان، وغيره، وكُبست الكثير من الحارات، وهُجمت الدُّور، وقلق الظاهر وانزعج لذلك، وكذلك العزيز بسبب التفتيش عليه، وخاف أن يُظفر به، فصار ينتقل من مكان إلى غيره، وتفرّقت عنه أصحابه، ولم يبق معه غير مملوكه أزدمر. ثم بأخرة بعث إلى خاله بيبرس، وكان يسكن بحارة زقاق حلب بداره، فأعلمه بأنه سيجيء إليه ليختفي عنده، فخاف بيبرس المذكور عاقبة ذلك ورأى أنه يقبُح عليه إنْ قُبض عليه، واختشى العار، فنبّه عليه جاره يلباي الذي ولي السلطنة فيما بعد، ولُقّب بالظاهر، وأعلمه بوقت مجيئه إليه، فترصّده يَلَباي حتى قبض عليه وعلى مملوكه هو وآخرين معه، وطلع به إلى الظاهر ليلاً، ففرح الظاهر بذلك، وصيّر يَلَباي من الطبْلخاناة، ووجد مع العزيز مبلغاً نحو الثمانمائة دينار، فأعطى الظاهرُ يَلَباي


(١) أثبتناها على الترجيح.
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "اختفاي".

<<  <  ج: ص:  >  >>