للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإمام العالم، العلّامة أبو عبد اللَّه محمد القوري، فأحضروه ومن جمعوه إلى منزل السيد الشريف، فبدر الخطيب بأنْ قال لهم: جاهِدوا معنا واغْزوا، وأغزوا الإسلام، وتبعه العامّة على مقالته، ثم قالوا: وإن لم تُغزوا معنا وإلّا فأول ما نغزوا فيكم، لأنكم شرفاء وعلماء، وأنتم راضون بحكم اليهود عليكم، ثم نادوا: الجهاد الجهاد ثانيًا، وبالغوا في الحث على ذلك، وطلبوا من القوري أن يُفتيهم، فامتنعٍ من ذلك، واعتذر لهم بالخوف من الشوكة، فتكاثروا عليه، بعد أن كتبوا سؤالًا بواقعة الحال، وما يصدر من اليهودي، وكذا اليهود، وأن ذلك نقض العهد بعينه، بل هو فوقه، وسلّوا السيوف من أغمادها، وقالوا للقوري: نحن أيضًا أُولُوا شوكة وقوّة، قمنا للَّه وبايَعْنا بأنفُسنا، وهذا سؤال، نريد منك أن تُفْتينا فيه بحكم اللَّه تعالى، وإلّا أرَحْنا الدنيا منك، لا بل عالم لم تعمل بعلمك، إلى غير ذلك من كلمات نحو هذه الكلمات. فلم يَسَعْه إلّا كتابة خطّه بجواز قتل اليهود، ثم بجواز القيام عليهم، بل وعلى السلطان. وحين فرغ من خطّه بدروا إلى حارة اليهود، ووضعوا فيهم السيف، وقتلوا منهم ما شاء اللَّه أن يقتلوا، ولم يكفّوا عن أحدٍ منهم حتى أفنوهم عن آخرهم، بحيث أخْلوا الحارة منهم، وكان يومًا مشهودًا بفاس، وملحمة عظيمة، قُتل فيها جمع (١) كثير العدد من اليهود، ثم قصدوا دار السلطنة فهجموها، وقتلوا اليهوديّ الدي كان بها نائبًا عن الوزير، ثم أقاموا السيد الشريف محمد بن عِمران المذكور، وأنزلوه بالدار المذكورة، وأرادوا مبايعته، فأشار عليهم ذوو (٢) التجارب والحنكات من أرباب العقول وأهل البصائر بعدم الاستعجال في ذلك، حتى يظفروا بعبد الحق السلطان، وإلّا أعياهم أمره. ثم دبّروا بأن يكاتب الأعيان من أهل فاس والشريف لعبد الحق، الغائب عن فاس، فيذكرون له الكائنة، وقيام السواد الأعظم وثورانهم، ويعرّفونه أن دار السلطنة كانت آيلة إلى النهب والخراب، لولا تطمين خواطر السواد الأعظم، نجعل السيد الشريف فيها، وهو ينوب عنكم إلى حين حضوركم، وعمل مصالح المسلمين والسواد الأعظم، لا يخرج شيء عن أمركم، وبعثوا إليه بذلك وبنحو هذا من الكلمات. فحين بلغه ذلك أخذ في الحال في أسباب التهيّؤ (٣) للعود إلى فاس، فبدر إليه وزيره اليهوديّ وقال له: ليس عَودك بمصلحة، فإنّ هذا الذي كتبوه حيلة على مولانا، وإنْ رأى مولانا -نصره اللَّه- أن ينحاز إلى مدينة تازا أو غيرها من المدن حتى تنطفئ هذه الجمرة، ويقوى أمر مولانا، ثم يتوجّه إلى فاس، وهو


(١) في الأصل: "جمعا".
(٢) في الأصل: "ذوي".
(٣) في الأصل: "التهي".

<<  <  ج: ص:  >  >>