للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهذه عبارته بعينها وحروفها، وأنت تدري ما فيها من الخلل، بل كان السُكات عمّا ذكره أجمل، إذ العفّة من غالب هؤلاء الأتراك، وإنْ ظهرت فالغالب في الباطن بخلافها، على أنّ من ذكر هذا المؤرّخ عنه العفّة منهم كان إينال هذا عندي أعفّ منه، ومَن نظر بعين الإنصاف مع تركه الاعتساف والغرض في سِيَر هؤلاء وأحوالهم علم ما أقوله بشرط إمعان النظر، والتوسّم الموافق لصحّة الخبر حتى به يزن ما يرِد عليه ويسمعه. ثم قال هذا المؤرّخ بعد ذلك: ووقع من مماليكه في أيام دولته من الأذى والتشويش البالغ والفحش وما لا يمكن شرحه، وهو راضٍ به مع قدرته على إزالته. ثم قال: وكان يرضى بظلم الظالمين، بل ربّما شكرهم على ظلمهم وألبسهم الخِلَع والتشاريف. قال: وكان الخلق في آخر أمره تبغضه بغضًا شديدًا عظيمًا، وتمنّوا زوال مُلكه لِما ساموه لا سيما من شدّة وطأة ولده أحمد، وزوجته، وصهره بُردُ بك الدوادار. انتهى كلامه. أقول: ليت شِعري من ذا الذي لم يتّصف بهذه الصفات بعده من السلاطين، وكذا قبله من جنسه حتى ينكر هذا المؤرّخ على ذاك، أعني صاحب الترجمة. وكذا من ذا الذي سلِم من هذه الآفات، لكن الأغراض توقع صاحبها فيما أراده (١)".

ولما أورد "ابن تغري بردي" كائنة قتْل جانِبَك نائب جُدّة في شهر ذي الحجّة سنة ٨٦٧ هـ. قال: "وكثر أسف الناس عليه". ردّ المؤلّف عليه بأنه "ليس كما قال"، بل رُبّما سُرّوا بموته لظلمه وشدّة وطأته. ونفى قوله بأن الألسُن انطلقت بالوقيعة في السلطان، بل إن الأمر ليس كما قال.

وحول قوله: وطالب المذاكرة في أمره قطع في كيفية قتلته وفي عدم وفاء السلطان له، إلى آخر ما قاله. ردّ عليه المؤلّف: هذا كلام لا طائل تحته ولا نتيجة له، وما عرفت ما فيه من الزبدة وأيّ شيء يهمّ المذاكريّة حتى يذكر أنهم قالوا قطعًا وصرَّحوا بذمّ السلطان (٢).

ولما طلع والد المؤلّف إلى قلعة القاهرة سأله السلطان خُشقَدم عن نائب جُدّة، فقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: ٣٠، ٣١]، فأعجبه ذلك. ولما دخل عليه "ابن تغري بردي" سأله أيضًا، فأجابه: عاش سعيدًا ومات شهيدًا. فلم يعجبه تخليطه، ولما قام قال السلطان لبعض خواصّه: أين ذاك الكلام؟ يشير إلى مقالة الوالد من تلاوته تلك الآية الشريفة من هذا؟ يشير إلى مقالة ابن تغري بردي.


(١) الروض الباسم، ٢/ ورقة ٢٨ أ.
(٢) الروض الباسم، ٢/ ٥٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>