للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولده العزيز يوسف فتركه، وهو ولد أستاذه، وانتمى للظاهر جقمق فقرّبه وأدناه واختصّ به، ثم أبعده عنه وجعله أتابك غزّة، ثم صرفه عنها، ثم استقرّ به وأمّره عشرة في سنة أربع وخمسين، ودام على ذلك مدّة إلى سلطنة الأشرف إينال، فأظهر التبروء (١) إليه من جقمق وجماعته، وأنه إنما خدمه رياء وسمعة وحيلة عليه، مع بغضه فيه، وداخل الأشرف إينال وتحشّر فيه حتى صيّره دوادارًا ثانيًا بعد أسنباي الجمالي (٢)، حين القبض عليه، وزاده إمرة عشرة أيضًا على ما بيده من الإمرة، حتى صار من الطبلخاناة، فأخذ في زيادة مداخلة السلطان وتحشّر به، وطاش، وبقي يدخل بنفسه فيما لا يعنيه، وأظهر الحماقة على السلطان، وفي كل قليل يرتقي الدوادارية حتى أمعن في ذلك، فحمق منه السلطان وحنق، لا سيما وقد ثقل عليه جدًّا، ونفاه مُظهرًا أنه نفاه إلى القدس، وكان الأمر بخلافه، ثم ظهر أنه إنما نُفي إلى طرابلس، وسُرّ الكثير من الناس منه وزواله، وكان قد أظهر من الخفّة والطيش والتجاوز في الحدّ ما لا يُعبّر عنه، فلم يحتمل الأشرف إينال، مع ما كان مُنْطوٍ عليه من الحِلم المتّسع جدًا، وبذلك يعلم ما خرج به تمراز هذا من الحدّ، وما أفرط فيه من قلّة ذوقه.

ثم آل به الأمر أن جُعل من مقدَّمين (٣) الألوف بدمشق، ودام بها إلى ما بعد موت الأشرف إينال. ولما تسلطن ولده المؤيَّد أحمد حضر تمراز هذا إلى القاهرة خفيةً من غير إذن، ونزل عند الأتابك خُشقَدَم، وترامى عليه في أن يشفع له، فبعث دواداره إلى المؤيّد يخبره بقدومه، فاستشاط المؤيَّد من ذلك وأمر بإخراجه من حيث جاء، فعاد إلى دمشق ودام بها وهو يحرّك جانَم على القيام. ولم يزل به حتى كان منه ما كان من حضوره إلى القاهرة، وحضر هو أيضًا معه، فاتفق أنْ وصلا في سلطنة خُشقَدم على ما تقدّم بيان ذلك في محلّه. ولما أعيد جانَم إلى دمشق ولي تمراز هذا نيابة صفد، عوضًا عن خير بك القصروي بعد صرفه عنها وأراد الظاهر خُشقَدم بولايته لصفد تفرقته بينه وبين جانَم وإبعاده عنه.

ولما توجّه إلى صفد لم ينتج له أمر ولا حال، ووقع له أشياء يطول الشرح في ذِكرها، وآل أمره إلى الهرب والفرار، ثم لما هرب جانَم أيضًا اجتمع به وأنعم


(١) في الأصل: "التبري".
(٢) توفي (أسَنْباي الجمالي) في سنة ٨٦٠ هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور ٢/ ٥٩٩، ٦٠٠ رقم ٣، والمنهل الصافي ٢/ ٤٣٥ رقم ٤٦٠، والدليل الشافي ١/ ١٣١ رقم ٤٥٨، والنجوم الزاهرة ١٦/ ١٨١، والضوء اللامع ٢/ ٣١١ رقم ٩٨١، ووجيز الكلام ٢/ ٧٠٢ رقم ١٦١٦، والذيل التام ٢/ ١٥، ونيل الأمل ٥/ ٤٦١، ٤٦٢ رقم ٢٣٩٢، وبدائع الزهور ٢/ ٣٣٤.
(٣) الصواب: "من مقدَّمي".

<<  <  ج: ص:  >  >>