للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطلبة والأخذ عنه، وانتفع به جمع جمّ، واجتمعوا عليه. وأخذ عنه الفضلاء من سائر المذاهب، ووُلّي عدّة تداريس جليلة، منها تدريس الصلاحية بالشافعي، رضي الله عنه، ثم عُيّن في القضاء الأكبر عن العَلم البُلقيني على ما تقدّم ذلك في محله، ثم تكرّرت ولايته القضاء، وباشره بحُرمةٍ وافرة وعفّة ونزاهة نفْس، وحُمدت سيرته فيه، وشُكرت أياديه، وحصل به النفع التام للخاص والعام، وأنهى (١) الكثير من القضايا المهمّة، وقام بأشياء كثيرة، وانتهت إليه رياسة الشافعية بأخرة، وألّف وصنّف. وله نظم، فمنه قوله لما عُزل عن القضاء وتسلّط عليه البعض بالأذى، وأنشدته عنه:

إلى الله أشكو محنةً أشغلت بالي … فمن هو لهارِيع اصطباري عدا بالي

وما لى مأمولٌ سوى سيّدِ الورى … فإنّي بذاك الجاه علقتْ آمالي

وهي طويلة، ومنها قوله:

أيا سيّدًا لا زال طول حياته … إذا سألوه لا يردّ له سالي (٢)

لقد ضاق ذَرْعي من أمورٍ كثيرة … وأنت ملاذي في تغيّرِ أحوالي

وإن كنتُ يا مولاي عبدًا مقصّرًا … فحِلمُكَ يا مولاي أعلى وأَوْلَى لى

عليك صلاةُ الله ما هبَّتِ الصَّبا … وما سال دمعُ الخوف أو ماسَلا (٣) سالي

ولم يزل على خير ودين ونفْع وسخاء، وكرم مفرِط، وجود وأفضالى وبرّ ومعروف، وصدقات وصِلات، مع عفّة زائدة، ونزاهة نفْس، وسعة فضل، ومروءة وسلامة فطرة وباطن إلى الغاية، حتى توفّي في ليلة الإثنين ثاني عشر جمادى الآخرة.

ووهِمَ من قال: كان في ليلة الثلاثاء.

وجُهّز وكُفّن، وأُخرجت جنازته وكانت حافلة، فأُحضِرت إلى مصلَّى سبيل المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليه، وما انقطع غير يومين، وكان أجَلُه، ورثاه جماعة، منهم تلميذه الحافظ جلال السيد السيوطي الماضي ذِكره، وقد أنشدني رثاءً لنفسه وهو قوله:

قلت لما مات شيخ العصر حقًّا باتفاقِ

حين صار الأمر ما بين جهولٍ وفسّاقِ

أيّها الدنيا لكِ الويلُ إلى يوم التلاقِ


(١) في الأصل: "وانها".
(٢) هنا في آخر الصفحة من أسفل على اليمين حاشية مُسح أكثرها من ٧ أسطر.
(٣) في الأصل: "سلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>