للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمُشرِكونَ واليَهودُ، حَتَّى كادوا يَتَثاوَرونَ (١)، فلَم يَزَلِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُم حَتَّى سَكَتوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - دابَّتَه، فسارَ حَتَّى دَخَلَ على سَعدِ بنِ عُبادَةَ، فقالَ له النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيا سَدُ، ألَم تَسمَعْ ما قال أبو حُبابٍ؟ يُريدُ عبدَ اللَّهِ بنَ أُبَىٍّ، قال كَذا وكَذا". فقالَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ: يا رسولَ اللَّهِ، اعفُ عنه واصفَحْ، فوالَّذِى أنزَلَ (٢) الكِتابَ، لَقَد جاءَ اللَّهُ بالحَقِّ الَّذِى أنزَلَ عَلَيكَ ولَقَدِ اصطَلَحَ أهلُ هذه البُحَيرَةِ (٣) على أن يُتَوِّجوه فيُعَصِّبوه (٤)، فلَمّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بالحَقِّ الَّذِى أعطاكَ شَرِقَ بذَلِكَ (٥)، فذَلِكَ فعَلَ به ما رأيتَ. فعَفا عنه النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانَ وأَصحابُه يَعفونَ عن المُشرِكينَ وأَهلِ الكِتابِ كما أمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، ويَصبِرونَ على الأذَى، قال اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦]، وقالَ اللَّهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٠٩]، وكانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتأَوَّلُ في العَفوِ ما أمَرَ اللَّهُ به


(١) يتثاورون: أي قارب أن يثور بعضهم إلى بعض بقتال أو مشاجرة، تفسير غريب ما في الصحيحين ١/ ١٨٣.
(٢) بعده في س، والمهذب ٧/ ٣٥١١: "عليك".
(٣) البحيرة: يعني المدينة، والعرب تسمى القرى الجار. مشارق الأنوار ١/ ٧٩.
(٤) يعصبوه: يسودوه. غريب الحديث للخطابى ١/ ١٥٩.
(٥) شرق بذلك: لم يقدر على إساغته والصبر عليه، فكأنه اعترض في حلقه. الفائق ١/ ٨٠.