للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اجتَمَعَت عِندِي قَبلَها راحِلَتانِ قَطُّ حتَّى جَمَعتُهُما تِلكَ الغَزوَةَ، ولَم يَكُنْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُريدُ غَزوَةً يَغزوها إلا وَرَّى بغَيرِها، حتَّى كانَت تِلك الغَزوَةُ، غَزاها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَديدٍ، واستَقبَلَ سَفَرًا بَعيدًا، ومَفازًا وعَدوًّا كَثيرًا، فجَلى لِلمُسلِمينَ أمرَهَم؛ ليَتأهَّبوا أُهبَةَ عَدوِّهِم، وأَخبَرَهُم بوَجهِه الذِي يُريدُه، والمُسلِمونَ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَثير لا يَجمَعُهُم كِتابٌ حافِظٌ - يُريدُ الدّيوانَ - قال كَعبٌ: فما رَجُلٌ يُريدُ أن يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ أن سَيَخفَى له ما لَم يَنزِلْ فيه وحيٌ مِنَ الله، وغَزا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلكَ الغَزوَةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظِّلالُ، فتَجَهَّزَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسلِمونَ مَعَه، وطَفِقتُ أغدو لِكَي أتَجَهَّزَ مَعَهُم ولَم أقضِ شَيئًا، وأَقولُ في نَفسِي: إنِّي قادِر على ذَلِكَ إذا أرَدتُه. فلَم يَزَلْ يَتَمادَى بي حتَّى استَحَرَّ (١) بالناسِ الجِدُّ، فأَصبَحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسلِمونَ مَعَه ولَم أقضِ مِن جَهازِي شَيئًا، فقُلتُ: أتجهَّزُ بَعدَه يَومًا أو يَومَينِ ثُمَّ ألحَقُهُم. فغَدَوتُ بَعدَ أن فصَلوا (٢) لأتجهَّز، فرَجَعتُ ولَم أقضِ شَيئًا، ثُمَّ غَدَوتُ ثُمَّ رَجَعتُ ولَم أقضِ شَيئًا، فلَم يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمادَى بي حتَّى أسرَعوا وتَفارَطَ الغَزوُ، وهَمَمتُ أن أرتَحِلَ فأُدرِكَهُم، ولَيتَنِي فعَلتُ، فلَم يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ، فكُنتُ إذا خَرَجتُ في الناسِ بَعدَ خُروجِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فطُفتُ فيهِم، أحزَنَنِي أنِّي لا أرَى إلا رَجُلًا مَغموضًا مِنَ (٣) النِّفاقِ (٤)، أو رَجُلًا مِمن


(١) في س، م: "استجد". واستحر: اشتد. غريب الحديث لابن الجوزي ١/ ٢٠٠.
(٢) فصلوا: رحلوا وبانوا عن المقيمين. مشارق الأنوار ٢/ ١٦٠.
(٣) في س، م: "في".
(٤) مغموصا من النفاق: مطعونا عليه بالنفاق. مشارق الأنوار ٢/ ١٣٦.