عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفاء، فلَم يَذكُرْني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبوكَ، قال وهو جالِسٌ في القَومِ بتَبوكَ:"ما فعَلَ كَعبٌ؟ ". فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَة: يا رسولَ الله، حَبَسَه بُرداه، يَنظُرُ في عِطفَيهِ (١). فقالَ له مُعاذُ بن جَبَلٍ: بئسَما قُلتَ، واللهِ يا رسولَ الله ما عَلِمنا إلا خَيرًا. فسَكَتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال كَعبٌ: فلَمَّا بَلَغَنِي أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد تَوَجَّهَ قافِلًا مِن تَبوكَ حَضَرَني هَمِّي، وطَفِقتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ وأَقولُ: بماذا أخرُجُ مِن سَخَطِه غَدًا؟ وأَستَعينُ على ذَلِكَ بكُلِّ ذِي رأيٍ مِن أهلِي، فلَمّا قيلَ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَد أظَلَّ قادِمًا. زاحَ عَنِّي الباطِلُ، وعَرَفتُ أنِّي لا أخرُجُ مِنه أبَدًا بشَئٍ فيه كَذِبٌ، فأَجمَعتُ صِدقَه، وأَصبَحَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قادِمًا، وكانَ إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ بَدأ بالمَسجِد، فصلَّى فيه رَكعَتَين، ثُمَّ جَلَسَ لِلناسِ، فلَمَّا فعَلَ ذَلِكَ جاءَ المُخَلَّفونَ، فطَفِقوا يَعتَذِرونَ إلَيه ويَحلِفونَ له، وكانوا بضعَةً وثَمانينَ رَجُلًا، فقَبِلَ مِنهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلانيَتَهُم، وبايَعَهُم واستَغفَرَ لَهُم، ويَكِلُ سَرائرَهُم إلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فجِئتُه، فلَمَّا سَلَّمتُ عَلَيه تبَسَّمَ تبَسُّمَ المُغضَبِ ثُمَّ قال:"تَعالَ". فجِئتُ أمشِي حَتَّى جَلَستُ بَينَ يَدَيه فقالَ:"ما خَلَّفَكَ؟ ألَم تَكُنِ ابتَعتَ ظَهرَكَ؟ ". فقلتُ: بَلَى يا رسولَ الله، إنِّي واللهِ لَو جَلَستُ عِندَ غَيرِكَ مِن أهلِ الدُّنيا لَرأيتُ أن سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذرٍ، ولَقَد أُعطيتُ جَدَلًا، ولَكِن واللهِ لَقَد عَلِمتُ لَئن حَدَّثتُكَ اليَومَ حَديثًا كاذِبًا تَرضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَكَ عليّ، ولَئن حَدَّثتُكَ
(١) العطف: الجانب، وينظر في عطفيه: كناية عن الإعجاب. تفسير غريب ما في الصحيحين ص ٣٤، ٢٢٦.