للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو مسلمٌ - وقالَ يَحيَى عن ابنِ المُبارَكِ: فقَدِمَ عَلَيه أبو بَصيرِ بنُ أَسيدٍ الثَّقَفِىُّ مُسلِمًا مُهاجِرًا، فاستأجَرَ الأخنَسُ بنُ شَريقٍ رَجُلًا كافِرًا مِن بَنِى عامِرِ ابنِ لُؤَىٍّ ومَولًى مَعَه، وكَتَبَ مَعَهُما إلَى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسأَلُه الوَفاءَ. قال: فأَرسَلوا فى طَلَبِه رَجُلَينِ، فقالوا: العَهدَ الَّذِى جَعَلتَ لَنا فيه. فدَفَعَه إلَى الرَّجُلَينِ، فخَرَجا به حَتَّى بَلَغا به ذا الحُلَيفَةِ فنَزَلوا يأكُلون مِن تَمرٍ لَهُم، فقالَ أبو بَصيرٍ لأحَدِ الرَّجُلَينِ: واللهِ إنِّى لأرَى سَيفَكَ يا فُلانُ هذا جَيِّدًا. فاستَلَّه الآخَرُ فقالَ: أجَلْ واللهِ إنَّه لَجَيِّدٌ، لَقَد جَرَّبتُ به، ثُمَّ جَرَّبتُ. قال أبو بَصيرٍ: أرِنِى أنظُرْ إلَيه. فأَمكَنَه مِنه فضَرَبَه به حَتَّى بَرَدَ (١) وفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أتَى المَدينَةَ، فدَخَلَ المَسجِدَ يَعدو، فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَد رأى هذا ذُعرًا". فلَمّا انتَهَى إلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: قُتِلَ واللهِ صاحِبِى، وإِنِّى لَمَقتولٌ. فجاءَ أبو بَصيرٍ فقالَ: يا نَبِىَّ اللهِ، قَد واللهِ أوفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَد رَدَدتَنِى إلَيهِم ثُمَّ أنجانِى اللهُ مِنهُم. فقالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ويلُ أُمِّه مِسعَرَ حَربٍ (٢) لَو كان لى أحَدٌ". فلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أنَّه سَيَرُدُّه إلَيهِم، فخَرَجَ حَتَّى أتَى سِيفَ البحرِ (٣). قال: ويَنفَلِتُ (٤) أبو جَندَلِ ابنُ سُهَيلٍ فلَحِقَ بأَبِى بَصيرٍ، فجَعَلَ لا يَخرُجُ مِن قُرَيشٍ رَجُلٌ قَد أسلَمَ إلَّا لَحِقَ بأَبِى بَصيرٍ حَتَّى اجتَمَعَت مِنهُم عِصابَةٌ. قال: فواللهِ ما


(١) برد: مات. إرشاد السارى ٤/ ٤٥١.
(٢) مسعر حرب: كلمة تعجب يصفه بالمبالغة فى الحروب وجودة معالجتها وسرعة النهوض فيها، يقال: فلان مسعر حرب. إذا كان أول من يوقد نارها ويَصْلَى حرها، من قولك: سعرت النار. إذا أوقدتها، ومنه السعير، وهو النار الموقدة. معالم السنن ٢/ ٣٣٣.
(٣) سيف البحر؛ بكسر السين: ساحله. مشارق الأنوار ٢/ ٢٣٣.
(٤) فى س: "تفلت".