هذه الكنوز التي نالها من رحلته، ليخرج منها هذه الكتب التي قل مثالها في بابها، وكان من ثمار اجتهاده وقوة همته في طلب العلم أن تمكن من جمع هذا العلم الوافر الغزير في مصنفات ومؤلفات قال عنها الذهبي:(تصانيف البيهقي عظيمة القدر غزيرة الفوائد، قلّ من جوّد تآليفه مثل الإِمام أبي بكر البيهقي، فينبغى للعالم أن يعتني بها).
وكان المصنف - رحمه اللَّهِ - يصدر في كل رحلاته عن نفس خاشعة ورعة؛ ترقب اللَّهِ في أعمالها، وتطلب العلم بإخلاص ورغبة فيه، وبهمة عالية ونفس راضية، صابرة على بأس الحياة وضيق العيش دون عوز ولا شكوى، فبلغ ما بلغ من منزلة ودرجة رفيعة في العلم.
وقد عاش البيهقي في عصر كثرت فيه الاضطرابات والفتن، ومن ثم فقد نهض مدافعا عن السنة داعيا الناس إلى العودة إليها، مع حسن الاعتقاد والزهد في الدنيا والبعد عن فتنها، وقد أولى الموضوعات التي كانت محل الجدل والمناظرات اهتماما خاصا، فأفرد لها العديد من المصنفات التي تمثل رأيه في هذه المسائل والموضوعات، ككتاب الاعتقاد، والأسماء والصفات، والقضاء والقدر، وشعب الإيمان، والبعث والنشور، متناولا هذه المسائل بأسلوب علمى يظهر الحق من خلال الكتاب والسنة، بعيدا عن الدلائل المنطقية التي أغرق فيها غيره، ولم يلجأ إليها إلا مع معارضى السنة لإبطال أقوالهم ودحض حججهم، فلم يكن ممن يلوى أعناق النصوص لتخدم مذهبه وتحقق غرضه وتنتصر لرأيه، كما يفعل بعض المتعصبين، بل