للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لائما لأمره، ليس القدر بأحق عنده بأنه ظالم حين يعصي ربه، إن رأى أن أحدهما أحق من صاحبه؛ سفه الحق وجهل دينه، لا يجد عن الإقرار بالقدر مناصا ولا عن الاعتراف بالخطيئة محيصا، فمن ضاق ذرعا بهذا {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (١) فوالله؛ لا يجد بدا من أن يضرع إلى الله ضرع من يعلم أن الأمر ليس إليه، ويعتذر من الخطيئة اعتذار من كأنها لم تقدر عليه؛ فلا تملكوا أنفسكم جحد القدرة، ولا تعذروها بالقدر فرارا من حجته، ضعوا أمر الله كما وضعه، ألا تفرقوا بينه بعدما جمعه؛ فإنه قد خلط بعضه ببعض وجعل بعضه من بعض، فخلط الحيلة بالقدر ثم لام وعذر وقد كتب بعد ذلك، فلا تملكوا أنفسكم فتجحدوا نعمته في الهدى، ولا تغلوا في صفة القدر؛ فتعذروا أنفسكم بالخطأ، فإنكم إذا نحلتم أنفسكم باللائمة وأقررتم لربكم بالحكومة؛ سددتم عنكم باب الخصومة، فتركتم الغلو ويئس منكم العدو؛ فاتخذوا الكف طريقا فإنه القصد والهدى، وأن الجدل والتعمق هو جور السبيل وصراط الخطأ، ولا تحسبن التعمق في الدين رسوخا؛ فإن الراسخين في العلم هم الذين وقفوا حيث تناهى علمهم وقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (٢).

وإن أحببت أن تعلم أن الحيلة بالقدر كما وصفت لك؛ فانظر في أمر


(١) الحج الآية (١٥) ..
(٢) آل عمران الآية (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>