للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقفه من الجهمية:]

هذا المؤرخ الكبير كان من أفاضل علماء زمانه. له اطلاع واسع وباع طويل ومعرفة واسعة بالعقيدة السلفية والخلفية، وقد أبدى في كتابه الخطط إعجابا بالعقيدة السلفية وبين أنها عقيدة الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فقال:

- فصل: اعلم أن الله سبحانه طلب من الخلق معرفته بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (١) قال ابن عباس وغيره: يعرفون، فخلق تعالى الخلق، وتعرف إليهم بألسنة الشرائع المنزلة، فعرفه من عرفه سبحانه منهم على ما عرفهم فيما تعرف به إليهم، وقد كان الناس قبل إنزال الشرائع ببعثة الرسل عليهم السلام علمهم بالله تعالى إنما هو بطريق التنزيه له عن سمات الحدوث وعن التركيب وعن الافتقار، ويصفونه سبحانه بالاقتدار المطلق، وهذا التنزيه هو المشهور عقلا، ولا يتعداه عقل أصلا.

فلما أنزل الله شريعته على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأكمل دينه، كان سبيل العارف بالله أن يجمع في معرفته بالله بين معرفتين إحداهما المعرفة التي تقتضيها الأدلة العقلية والأخرى المعرفة التي جاءت بها الإخبارات الإلهية وأن يرد علم ذلك إلى الله تعالى ويؤمن به وبكل ما جاءت به الشريعة على الوجه الذي أراده الله تعالى من غير تأويل بفكره، ولا تحكم فيه برأيه، وذلك أن الشرائع إنما أنزلها الله تعالى لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك حقائق الأشياء على ما


(١) الذاريات الآية (٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>