ظمأ، ولا يملهم منه صيف ولا شتاء، مائزين الأثر: صحيحه من سقيمه، وقويه من ضعيفه، بألباب حازمة، وآراء ثاقبة، وقلوب للحق واعية، فأمنت تمويه المموهين، واختراع الملحدين، وافتراء الكاذبين، فلو رأيتهم في ليلهم، وقد انتصبوا لنسخ ما سمعوا، وتصحيح ما جمعوا، هاجرين الفرش الوطي، والمضجع الشهي، قد غشيهم النعاس فأنامهم، وتساقطت من أكفهم أقلامهم، فانتبهوا مذعورين قد أوجع الكد أصلابهم، وتيه السهر ألبابهم، فتمطوا ليريحوا الأبدان، وتحولوا ليفقدوا النوم من مكان إلى مكان، ودلكوا بأيديهم عيونهم، ثم عادوا إلى الكتابة حرصا عليها، وميلا بأهوائهم إليها لعلمت أنهم حرس الإسلام، وخزان الملك العلام، فإذا قضوا من بعض ما راموا أوطارهم، انصرفوا قاصدين ديارهم، فلزموا المساجد، وعمروا المشاهد، لابسين ثوب الخضوع، مسالمين ومسلمين، يمشون على الأرض هونا، لا يؤذون جارا، ولا يقارفون عارا، حتى إذا زاغ زائغ، أو مرق في الدين مارق، خرجوا خروج الأسد من الآجام، يناضلون عن معالم الإسلام- في كلام غير هذا في ذكرهم
يطول. (١)
[موقفه من الجهمية:]
- عن محمد بن منصور بن عمار -أبي الحسن- قال: كتب بشر بن غياث المريسي -لعنه الله- إلى أبي يسأله عن القرآن، فكتب إليه أبي: عصمنا الله وإياك من كل فتنة، فإن يفعل، فأعظم بها من نعمة، وإن لا يفعل، فهي والله الهلكة، أخبرني بعض أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أباه سئل عن ذلك