- جاء في الاعتصام عنه: خرجت من بلادي على الفطرة، فلم ألق في طريقي إلا مهتديا، حتى بلغت هذه الطائفة -يعني: الإمامية والباطنية من فرق الشيعة-، فهي أول بدعة لقيت، فلو فجأتني بدعة مشبهة، كالقول بالمخلوق، أو نفي الصفات، أو الإرجاء، لم آمن. فلما رأيت حماقاتهم، أقمت على حذر، وترددت فيها على أقوام أهل عقائد سليمة، ولبثت بينهم ثمانية أشهر.
ثم خرجت إلى الشام، فوردت بيت المقدس، فألفيت فيها ثماني وعشرين حلقة ومدرستين -مدرسة الشافعية بباب الأسباط، وأخرى للحنفية-، وكان فيها من رؤوس العلماء ورؤوس المبتدعة ومن أحبار اليهود والنصارى كثير، فوعيت العلم، وناظرت كل طائفة بحضرة شيخنا أبي بكر الفهري وغيره من أهل السنة.
ثم نزلت إلى الساحل لأغراض، وكان مملوءا من هذه النحل الباطنية والإمامية، فطفت في مدن الساحل لتلك الأغراض نحوا من خمسة أشهر، ونزلت عكا، وكان رأس الإمامية بها حينئذ أبو الفتح العكي، وبها من أهل السنة شيخ يقال له الفقيه الديبقي.
فاجتمعت بأبي الفتح في مجلسه وأنا ابن العشرين، فلما رآني صغير السن كثير العلم متدربا؛ ولع بي، وفيهم -لعمر الله، وإن كانوا على باطل- انطباع وإنصاف وإقرار بالفضل إذا ظهر، فكان لا يفارقني، ويساومني الجدال، ولا يفاترني، فتكلمت على مذهب الإمامية والقول بالتعميم من