للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد بن عبد الوهاب (١) (١٢٠٦ هـ)

لقد بزغت شمس الهداية في القرن الثاني عشر الهجري، الذي وصل فيه العالم الإسلامي إلى حالة أجمع المؤرخون على وصفها؛ بأنها حالة ظلام دامس، لقد غطته القبورية والقبوريون. وأصبحت الأرض والسماء تشتكيان من رفع أصوات القبوريين بالاستغاثة بالأموات والأشجار والأحجار. وكذلك انزعجت السماوات بزعقات المتصوفين وصراخهم، وارتجت الأرض من شطحهم ورقصهم، وكادت أن تنشق وتتزلزل من فعلهم ومنكرهم، أما طغيان المعاصي الأخرى فلا تسأل عن وصفها والحالة التي بلغتها. أما السنة وكتبها فقد سفت عليها الرمال، وأصبح طلبة العلم لا يعرفون إلا قول فلان وعلان. وأما عقائد الأشعرية والماتوريدية فأصبحت هي الغيم والمطر في قلوب علماء ذلك الزمان، وبها حياتهم.

فلكل ما ذكرنا يمكن الجزم بأن شمس الهداية قد بزغت من جديد على يد هذا الإمام بهضاب نجد، وفي الدرعية بالضبط. فانتشر نورها في تلك البقعة، وطهرها من كل الظلمات التي كانت حالكة فيها منذ سنين. ثم تابعت مسيرتها إلى آخر نقطة من الشرق ثم إلى آخر نقطة من الغرب. فوجدت حواجز كثيرة من جبال للشرك والدجل، وغيوم مختلفة من ألوان من الضلال، ولكن لقوة نورها وعدم تكدرها لم تتأثر بأي حاجز يحجزها، وما تزال والحمد لله مشرقة صافية يستضيء بها أهل المشرق والمغرب. وكيف لا وهي شعاع من شمس النبوة التي وعد الله بحفظها إلى أن يرث الله الأرض


(١) روضة ابن غنام (١/ ٧٥ - ٨٤) والأعلام (٦/ ٢٥٧) وعلماء نجد (١/ ٢٥) وأبجد العلوم (٣/ ١٥٨ - ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>