لهذا كله، فإنه يزعم أن ثم طرقا أخر؛ ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين، كأن الشارع يعلم ونحن أيضا نعلم، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع؛ أنه علم ما لم يعلمه الشارع؛ وهذا إن كان مقصودا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود فهو ضلال بَيِّنٌ. وإلى هذا المعنى أشار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذ كتب له عدي بن أرطأة يستشيره في بعض القدرية، فكتب إليه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وترك ما أحدث المحدثون فيما قد جرت سنته وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة؛ فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق. فارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور أقوى وبفضل كانوا فيه أحرى. فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي. (١)
[موقفه من المشركين:]
- قال رحمه الله في مكايد الشيطان لبعض الناس: فمن أعظم مكايده التي كاد بها جل الناس، ولم يسلم منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديما وحديثا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، إلى أن عبد أربابها من دون الله وعبدت قبورهم، وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح عليه السلام،