كما أخبر الله تعالى في كتابه حيث يقول:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ} الآية (١). قال ابن جرير: وكان من خبر هؤلاء أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون بعدهم؛ دب إليهم إبليس اللعين فقال: إنهم كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.
وهذا كان سبب عبادة اللات والعزى؛ وذلك أن رجلا كان يلث السويق للحاج ويطعمهم، ومات فعكفوا على قبره وعبدوه؛ وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور، وهي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك، فإن الشرك بقبر الرجل الصالح الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، ولهذا تجد أهل الشرك كثيرا يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد، ويقولون: قبر فلان الترياق المجرب لقضاء الحوائج؛ فلأجل هذه المفسدة حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس