قال الخطابي: عصمنا الله وإياك من الأهواء المضلة، والآراء المغوية، والفتن المحيرة، ورزقنا وإياك الثبات على السنة والتمسك بها، ولزوم الطريقة المستقيمة التي درج عليها السلف، وانتهجها بعدهم صالحوا الخلف، وجنبنا وإياك مداحض البدع، وبنيات طرقها العادلة عن نهج الحق وسواء الواضحة، وأعاذنا وإياك عن حيرة الجهل وتعاطي الباطل، والقول بما ليس لنا به علم، والدخول فيما لا يعنينا والتكلف لما قد كفينا الخوض فيه، ونهينا عنه، ونفعنا وإياك بما علمنا، وجعله سببا لنجاتنا، ولا جعله وبالا علينا برحمته.
وقفت على مقالتك، وما وصفته من أمر ناحيتك، وظهور ما ظهر بها من مقالات أهل الكلام، وخوض الخائضين فيها، وميل بعض منتحلي السنة إليها واغترارهم بها، واعتذارهم في ذلك بأن الكلام وقاية للسنة، وجنة لها يذب به عنها، ويذاد بسلاحه عن حريمها، وفهمت ما ذكرت من ضيق صدرك بمجالستهم، وتعذر الأمر عليك في مفارقتهم، لأن موقفك بين أن تسلم لهم ما يدعونه من ذلك فتقبله، وبين أن تقابلهم على ما يزعمونه فترده وتنكره، وكلا الأمرين يصعب عليك، أما القبول فلأن الدين يمنعك منه، ودلائل الكتاب والسنة تحول بينك وبينه، وأما الرد والمقابلة فلأنهم يطالبونك بأدلة العقول، ويؤاخذونك بقوانين الجدل، ولا يقنعون منك بظواهر الأمور، وسألتني أن أمدك بما يحضرني في نصرة الحق من علم وبيان، وفي رد مقالة أولئك من حجة وبرهان، وأن أسلك في ذلك طريقة لا يمكنهم ردها، ولا يسوغ لهم من جهة المعقول إنكارها، فرأيت إسعافك به لازماً في حق الدين،