للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وواجب النصيحة لجماعة المسلمين، وأنا أسأل الله أن يوفق لما ضمنت لك منه، وأن يعصم من الزلل فيه، واعلم يا أخي أن هذه الفتنة قد عمت اليوم، وشملت وشاعت في البلاد واستفاضت، ولا يكاد يسلم من رهج غبارها إلا من عصمه الله، وذلك مصداق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الدين بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء» (١).

قال: فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله، فلا تنكر ما تشاهده منه، وسل الله العافية من البلاء، واحمده على ما وهب لك من السلامة، ثم إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار بلطيف حيلته يسول لكل من أحس من نفسه بفضل ذكاء وذهن، يوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهر من السنة، واقتصر على واضح بيان منها كان أسوة العامة، وعد واحداً من الجمهور والكافة فإنه قد ضل فهمه واضمحل لفظه وذهنه فحركهم بذلك على التنطع في النظر، والتبدع بمخالفة السنة والأثر، ليبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، واختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا عن حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم، ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم، ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولسننه المأثورة عنه، وردوها


(١) تقدم تخريجه. انظر مواقف علي بن المديني سنة (٢٣٤هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>