للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وجوهها وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزندق، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد ووقفوا عندما انتهى بهم التوقيف، لوجدوا برد اليقين وروح القلوب، ولكثرت البركة وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

واعلم أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام، وهذا النوع من النظر عجزاً عنه ولا انقطاعاً دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة.

وكان في زمانهم هذه الشبه والآراء، وهذه النحل والأهواء، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها لما تخوفوه من فتنتها، وحذروه من سوء مغبتها، وقد كانوا على بينة من أمرهم، وعلى بصيرة من دينهم لما هداهم الله له من توفيقه، وشرح به صدورهم من نور معرفته، ورأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته، وتوقيف السنة وبيانها غنى ومندوحة عما سواهما، وأن الحجة قد وقعت بهما، والعلة أزيحت بمكانهما، فلما تأخر الزمان بأهله وفترت عزائمهم في طلب حقائق علوم الكتاب والسنة، وقلت عنايتهم بها، واعترضهم الملحدون بشبههم، والمتحذلقون بجدلهم، حسبوا أنهم إن لم يردوهم عن أنفسهم بهذا النمط من الكلام، ولم يدافعوهم بهذا النوع من الجدل لم يقووا ولم يظهروا في الحجاج عليهم، فكان ذلك ضلة من الرأي، وغبنا فيه وخدعة من الشيطان والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>