السنة بدعة والبدعة سنة، فيقام على أهل السنة بالتثريب والتعنيف كما كان أولاً يقام على أهل البدعة، طمعاً من المبتدع أن تجتمع كلمة الضلال، ويأبى الله أن تجتمع حتى تقوم الساعة، فلا تجتمع الفرق كلها -على كثرتها- على مخالفة السنة عادة وسمعاً؛ بل لا بد أن تثبت جماعة أهل السنة حتى يأتي أمر الله، غير أنهم -لكثرة ما تناوشهم الفرق الضالة وتناصبهم العداوة والبغضاء، استدعاء إلى موافقتهم- لا يزالون في جهاد ونزاع، ومدافعة وقراع، آناء الليل والنهار، وبذلك يضاعف الله لهم الأجر الجزيل، ويثيبهم الثواب العظيم". (١)
فطوبى لهم في غربتهم، وطوبى لهم في استئناسهم بكلام ربهم، ومصاحبة أنفاس نبيهم - صلى الله عليه وسلم - القولية والفعلية، وطوبى لمن جال بقلبه وفكره في كسر طوق هذه الغربة في رياض السنة النضرة، ومواقف السلف العطرة، ونأى بنفسه عن ورود حياض البدع الكدرة، ومستنقعاتها القذرة، وسقى نفسه من معين الكتاب والسنة ماء عذباً زلالاً، صافياً نقياً، لم تكدره الدلاء، ولم تخالطه الآراء.
وارتوى مما ارتوى منه أبو بكر وعمر ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين، وبقية العشرة المبشرين، وسائر الصحابة المرضيين، ومن اقتفى أثرهم من الأئمة والمُحَدِّثِين، والعلماء المعتبرين، خلفاً عن سلف.
هذا المشرب الموحد الذي ورده سائر الأعلام على امتداد تاريخ هذه