عما سيقع. قلت: ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله: وليس به الدين إنما هو البلاء فإنه سيق مساق الذم والإنكار، وفيه إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محمودا، ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف. قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر بن الخطاب وعيسى الغفاري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. ثم قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به، ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه "العبادة في الهرج كهجرة إلي"(١) ويؤخذ من قوله: حتى يمر الرجل بقبر الرجل أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر، وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمني لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه، فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت.
وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: عدت أبا هريرة فقلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: "اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسي بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب
(١) أحمد (٥/ ٢٥) ومسلم (٤/ ٢٢٦٨/٢٩٤٨) والترمذي (٤/ ٤٢٤/٢٢٠١) وابن ماجه (٢/ ١٣١٩/٣٩٨٥).